ثورة 10/ 11 ضد كابوس الخريف الأسود
أتوقع أن تملأ مقالات الرأي طوال هذا الأسبوع كل الصحف والمواقع الإخبارية حول ثورة 11/11 التي ملأ ضجيجها الصامت الآذان وأركان الشوارع الخاوية.. لذا قررت أن أنطلق خارج هذا السرب لأتحدث عن ثورة أخرى.. ثورة كانت تشغل الرأي العام.. وكل وسائل الإعلام على مدى أكثر من 17 عامًا.. لكن ثورة الغلابة ذات العروش الخاوية كانت الأقوى.. فأخذت من حق ما هو أولى بالاهتمام.. وصرفت وسائل الإعلام عن التركيز على ما أعلن هذا العام من نتائج في غاية الأهمية عن جهود وزارة البيئة في التصدي للشبح الذي يهدد المصريين كل عام خاصة في شهور الخريف..
موسم حرق قش الأرز الذي يجعل من الهواء كابوسًا يهبط فوق الأنفاس فيقطعها.. ويهوى فوق الصدور فيغلقها.. منذ سنوات كنت تعرف أنك تحلق فوق الأراضي المصرية، حين تقتحم عينيك من نافذة الطائرة سحابة سوداء تشبه ليالي الموت الحزينة.. وغيوم الشتاء القاتمة الكئيبة.. لم يتحدث أحد عن السحابة السوداء هذا العام.. ولم يشتك مرضى الصدر والجيوب الأنفية.. ولم يذكر الإعلام هذا الكابوس المخيف كل عام.. هل ألهتهم القرارات الاقتصادية ومؤتمر الشباب.. والدعوات لثورة الجياع التي غاب فيها الداعي والمدعوون.. هل كان الفراغ في الشارع أقوى من السحابة ؟
دهشت حين سمعت صديقتي المطربة الرائعة أنغام وهي تسأل الجمهور في إحدى حفلاتها "نعمل إيه في حرق قش الأرز والسحابة السوداء".. وتطالب الجمهور بأن يساندها في التصدي لهذا الكابوس كي تتحرك وزارة البيئة.. بعد هذا الحفل بعدة أيام.. تابعت بعض الأخبار والتقارير عن نتائج جهود وزارة البيئة في التصدي للنوبات الحادة لتلوث الهواء.. كان المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير البيئة د. خالد فهمي سابقًا لجمعة 11/11 بيوم واحد.. فلم ينتبه إليه أحد..
وربما لم تتابعه صديقتي المطربة المحبوبة وهي التي تهتم لهذا الكابوس بشكل خاص.. ولكنني قررت أن أرصد أهم ما جاء بهذا المؤتمر المهم.. لا لشيء سوى أن يأخذ جنود مجهولون واصلوا الليل بالنهار حقهم فى الإشادة، كي نشعر بنسمة الهواء العليلة في أجمل شهور العام.. شهور الخريف.. الشهور التي تغلق فيها التكييفات وتفتح النوافذ لننعم بالهواء الرباني الشافي للعليل.
"فهمي" استعرض نتائج استراتيجية مواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة لعام 2016، والتي أوضحت ارتفاع نسبة جمع وتدوير قش الأرز هذا العام، حيث وصلت إلى 77% من المستهدف مقابل 59% تم تحقيقها العام الماضي، إضافة إلى نجاح منظومة دعم قش الأرز هذا العام في زيادة دور الأهالي في الجمع والتدوير، حيث وصلت نسبة ما تم رصده من تجميع وتدوير وفرم الأهالي هذا العام لأكثر من 60%، وما تم تجميعه وتدويره للمتعهدين 27.5%.
ولو علمنا أن ارتفاع المساحة المزروعة بالأرز هذا العام بزيادة 55% على العام الماضي ( من 1.1 مليون فدان إلى 1.7 مليون فدان) لتخيلنا حجم الجهد والتحدي الذي واجه منظومة التعامل مع المخلفات الزراعية، من جمع وكبس وتدوير أكبر قدر من قش الأرز، من خلال زيادة كميات الجمع والتدوير من خلال منظومة (المزارع الصغير) والاستمرار في آليات التمويل للمتعهدين وزيادة عدد المعدات وزيادة عدد المواقع ومحاور التفتيش.
كما استهدفت الخطة خفض الانبعاثات من المصادر الأخرى كالسيطرة على المقالب العمومية والعشوائية وفحص عادم المركبات، والتفتيش وعلى المنشآت الصناعية، بالإضافة إلى إحكام الرقابة والرصد من خلال استخدام أكثر من قمر صناعي لرصد نقاط الحرق وزيادة عدد وسائل تلقى البلاغات من خلال استخدام الــ(واتس آب – فيس بوك – موقع إلكتروني – خط ساخن )، بالإضافة إلى الجهد الذي بذل في عملية رفع الوعي بمنظومة التعامل مع المخلفات الزراعية من خلال زيادة حملات التوعية البيئية المباشرة من الباب للباب.. خاصة للمزارعين وإتاحة المعلومات لوسائل الإعلام المختلفة.
تحدث "فهمي" في المؤتمر عن أسباب نجاح المنظومة هذا العام والحقيقة أن الرجل لم ينسب شيئًا لنفسه.. ولن يدع أنه واجه بنفسه أو تابع على الأرض.. ولكنه ركز في إشاراته على رجال وزارة البيئة من شباب وموظفين وقيادات، الجنود المجهولة التي كانت تواصل الليل بالنهار.. وتعمل يدًا بيد مع الفلاح.. تجمع وترفع وتطفئ الحرائق.. وتوجه وترشد.. وتؤجر الآلات..
الموظف الواحد كان يقدم مهام عدة رجال في وقت واحد.. هذا بالإضافة إلى العمل على زيادة المعدات، حيث تم توفير 225 معدة جديدة ليصل إجمالي المعدات العاملة إلى 1200 معدة، بالإضافة إلى الاستمرار في تقديم الدعم المادي للمتعهد تحفيزًا له على عملية الجمع.. علاوة على زيادة نسبة الجمع والتدوير وزيادة آليات الرصد والمراقبة.
أكد "فهمي" في المؤتمر الصحفي، انتهاء فترة نوبات تلوث الهواء الحادة معلنا بداية العمل على استراتيجية المواجهة للعام القادم، مشيرًا إلى نيته في دعم بعض المشروعات القائمة على قش الأرز.. ومنها الاستفادة من إنشاء مصنع لإنتاج لب الورق من قش الأرز بمشاركة مؤسسة الأهرام مع شركة صينية مع محافظة البحيرة وإنتاج الخشب الحبيبى بمحافظة كفر الشيخ، والتوسع في أنشطة الوزارة لضم مخلفات زراعية أخرى إلى المنظومة مثل الذرة والقصب..
تحية لرجال قدموا من الجهد فوق ما هو مطلوب وواجب دون أن يشعر بهم أحد.. تحية لشباب قدموا من العمل والتفاني مثالا وقدوة.. شباب لم ينتظر مقابلا ولم يسع لمنصب.. إنهم شباب مصر.. الذين لم يشملهم البرنامج الرئاسي.. ولم يلتقطوا صورًا مع الرئيس في شرم الشيخ.. ولم تطل وجوههم على الشاشات.. بل سكنت القلوب.. وطلت بابتسامة الرضا داخل النفوس والصدور التي تفتحت بأنقى النسمات.. إنهم صانعو الثورة الحقيقية.. ثورة العمل والضمير.. أدعو كل ثوار مصر.. أن تصطف إلى جانبهم.. في شوارع مصر المفعمة بالأمل والحياة.. فمصر أولى بشبابها.