صلاح هاشم: السيسي أخطأ بفتح جبهة كل المشروعات القومية في وقت واحد
- التعويم الكامل للجنيه.. كارثة
- ألمانيا لغت الجنيه المصرى نهائيا من قوائم العملات العالمية لأنه لا قيمة له
- السلع المستوردة سترتفع قيمتها 48% بعد قرار التعويم
- زيادة التضخم وارتفاع الدين الخارجى وعجز الموازنة تبعات تعويم الجنيه
- تعويم الجنيه لن يخدم الشعب ولكنه لصالح الدولة
أعده للنشر: حمدى بكرى
عدسة: ريمون وجيه
أثار قرار تعويم الجنيه الذي صدر مؤخرا الكثير من التداعيات وتسبب في رفع حالة القلق والتحسب مما هو قادم لدى المواطن المصرى البسيط لما له من تداعيات على ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق بدأت بقرار زيادة أسعار البنزين والذي سيؤدى بدوره لارتفاع جديد لكل السلع نتيجة تحمل المواطن لتكاليف النقل بعد زيادة سعر البنزين، أيضا تأكلت القوة الشرائية ونقصت قيمة دخل الفرد بنسبة 48 % وسط ثبات المرتبات أو ربما تناقصها، ووسط هذه الحالة من الجدل استضاف " صالون فيتو " الدكتور صلاح هاشم أستاذ التنمية والتخطيط بجامعة الفيوم للوقوف على أزمة "تعويم الجنيه" وآثارها على المواطن البسيط وإلى أهم ما جاء بالحوار..
*بداية هل تم تعويم الجنيه بشكل كامل أم تخفيض قيمته وما الفرق بين الحالتين ؟
ما حدث ليس تعويما للجنيه بشكل كامل، ما زال البنك المركزى يتحكم في سعره هو ثبت فقط سعر الدولار في علاقته بالجنيه، لكنه لم يعومه بشكل كامل، وما فعله هو وضع مساحة معينة للتعويم يزيد 10 % لأعلى أو يهبط 10 % لأسفل ولكن لم يتم تعويمه بشكل كامل، أما التعويم الكامل فهو كارثة وهذا سيرجعنا لسيناريو تايلاند في منتصف عام 1997 والأزمة المالية الآسيوية التي حدثت عندما قاموا بتعويم الجنيه، ومعنى التعويم هو أن البنك المركزى عجز وفقد السيطرة الكاملة في التحكم في سعر العملة الموجودة وبالتالى كل أدواته سقطت وعليه أن يترك الموضوع لمسألة العرض والطلب أما ما حدث هو أن البنك تركه للعرض والطلب ولكنه لازال يتحكم فيه في مسافة محددة حتى لا يتم التعويم بشكل كامل، وهذا يجعلنا نعود إلى أنه خفض قيمة الجنيه بمعنى أنه وصل بالجنيه لسعره العادل والحقيقى في السوق فيما يتعلق بالعرض والطلب فالجنيه أصبح حاليا يساوى 52 % من قيمته، فأصبح الجنيه حاليا يساوى 52 قرشا بالنسبة لقيمته الشرائية.
*وما تأثير قرار التعويم أو تخفيض قيمته على المواطن وتداعياته على ارتفاع الأسعار؟
القدرة الشرائية للجنيه بدأت تنخفض وذلك سيؤثر على الأسعار وبالفعل بدأ بالبنزين أيضا أسعار السلع التي يتم استيرادها لأن التعريفة الجمركية بالنسبة للسلع المستوردة ستزيد 48% وهذا يؤدى إلى ارتفاع أسعار السيارات، فالسيارة التي كانت تساوى 100 ألف جنيه ستصبح بـ150 ألف جنيه، بالإضافة إلى السلع التي نستوردها كاملة أو المواد الخام الوسيطة أو المواد الخام الأولية بمعدل 48% وهذا سيؤثر بشكل كبير على الأسعار الموجودة وعلى القدرة الشرائية فما كان يمكن أن تشتريه بألف جنيه ستصبح قيمتة 1500 تقريبا.
*لماذا لجأت الدولة إلى مثل هذا القرار في هذا الوقت بالتحديد ؟
لم يكن أمام الدولة لتنقذ نفسها من الإفلاس غير تعوم الجنيه ولكن إذا تم التعويم دون أي ضمانات كان من الممكن أن نغرق جميعا مثل تجربة النيجر أو التجربة اليونانية، التجربة اليونانية عندما قامت بتعويم الجنيه تم إنقاذها بشكل كبير لأن الاتحاد الأوروبي كان يحميها في هذا التوقيت لأنك إذا قمت بالتعويم دون وجود ظهير اقتصادي يحميك من الممكن أن تغرق ولذلك نجحت التجربة في اليونان وفشلت في نيجيريا، نحن كان أمامنا سيناريو من اثنين إما تجربة تايلاند تتكرر مرة ثانية وندخل في أزمة اقتصادية كبيرة أو تجربة النيجر، ومصر حاولت بشكل كبير أن تحمى نفسها عندما قامت بالدخول كعضو مؤسس في صندوق الاستثمار الأسيوى الذي أسسته الصين بحيث أن ذلك من الممكن أن يوفر دعم لمصر في حالة تعويم الجنيه وصندوق الاستثمار الأسيوى عملته اليوان بدلا من الدولار، ودخلت دول كبرى فيه مثل ألمانيا وبريطانيا وكوريا الجنوبية والشمالية، وكان نصيب مصر كمؤسسة فيه 650 مليون دولار وتم دفعهم بالفعل، في مقابل ذلك هذا البنك سيدخل لدعم مشروعات البنية الأساسية في منطقة آسيا ومنطقة الدول المطلة على المحيط الهادئ، ونحن لدينا أيضا مشروعات عملاقة مثل مشروع قناة السويس والخط الإستراتيجى الغربى والعاصمة الجديدة، ونريد أن يدخل أحد معنا لأنه من المتوقع أن تؤتى هذه المشاريع ثمارها من ثلاث إلى خمس سنوات، فإذا لم نقم حاليا بتعويم الجنيه ستجد أن نسبة المديونية زادت، فهذا القرار ليس به نقاش فقط جاء متأخرا وأصبحت الدولة تتعامل مع الدولار على أنه سلعة والجنيه كذلك يباع ويشترى، ومدت فترة العمل بالبنوك حتى التاسعة مساءًا وتفتح أيضا حتى وقت الأجازات الرسمية في مقابل توفير العملة الصعبة بالدولارات في مصر.
*هل من الممكن أن يرتفع حجم الدين الخارجى وكذلك التضخم كتداعيات تعويم الجنيه؟
حجم الدين الخارجى حتما سيرتفع، فلكى نسدد ديوننا بالدولار يجب أن نحول الجنيه المصرى إلى دولار، فكان الدولار قبل التعويم بـ 8.88 جنيهات، ولكنه أصبح بـ 13 جنيها، فالألف دولار ستسدد 1500 دولار، وهذا سيؤدى إلى زيادة معدلات التضخم بعد زيادة أسعار السلع والتي بدأت بالبنزين ومن المتوقع عندما يتم تخفيض قيمة الجنيه أن تزيد نسبة الصادرات الموجودة أو تزيد القدرة التنافسية للصادرات المصرية وسيؤدى إلى خلل أو عجز في الميزان التجارى ويكون الفارق بين الواردات أكبر بالنسبة للصادرات وسيؤدى إلى أن التضخم سيتضاعف ونتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 19.5 % بعد ما توقعنا أن يكون 9.5% في بداية 2016 وارتفاع حجم الدين الداخلى.
*في رأيك ما تبعات قرار وقف الاستيراد لمدة 3 شهور، هل معنى ذلك تعطيش السوق ورفع قيمة السلع المستوردة الموجودة حاليا ؟
ما قيل إننا سنلغى قوائم الاستيراد وليس وقف الاستيراد بشكل كامل، فكان يوجد حظر على قوائم الاستيراد على سلع معينة، هو بذلك سيفتح المجال لتسحب وتودع أي مبلغ من الدولارات في أي وقت بالليل أو بالنهار بالنسبة للبنوك ما عدا الشركات التي تستورد سلعا غير أساسية، هذه الشركات سيبدأ بتحجيمها قليلا لكن بالنسبة للسلع الأساسية سيفتح باب السحب والإيداع والاستيراد بشكل كبير فتحديد قوائم الاستيراد ماعدا من لديهم سلع غير أساسية، يضع لهم ضوابط ومبلغا معينا لم يتم الإعلان عنه بعد، لكن بالنسبة للأفراد والمؤسسات من حقهم يودعون أو يأخذون أي سعر من الدولارات موجود، بل البنك حاليا يدعو أن الناس تأتى لتأخذ، وكان المستفيد من الدولار 5% فقط من المستثمرين و95 % تذهب إلى السوق السوداء، والآن هو جعل كل المواطنين يستفيدون من الدولة وألغى السوق السوداء وحافظ على الاحتياطى النقدى، فهذا القرار لن يخدم الشعب في الوقت الحالى ولكنه سيخدم الدولة، وعندما تبدأ الدولة في التعافى سيعود ذلك بالعائد السريع في المستقبل على الشعب.
*هل الدولة حاليا بهذا القرار قادرة على القضاء على السوق السوداء؟
بهذا القرار ستقضى على السوق السوداء لأنها استطاعت توفير العملة الصعبة وتتعامل معها على أنها سلعة، والبنك المركزى اعتبر نفسه كأى مكتب صرافة وجعل عمل الصرافة مستمر حتى في أيام العطلة بحيث لا يجد المواطن مشكلة للبحث عن سوق صرافة، جعلها متاحة حتى أثناء الليل والمواطن قادر على أن يتعامل مع البنك ويغير العملة، تتعامل معك الدولة الآن بفكرة العرض والطلب، قبل هذا القرار شركات الصرافة السعودية رفضت التعامل بالجنيه المصرى والسبب أنه غير مستقر، وأيضا ألمانيا لغت الجنيه المصرى نهائيا من قوائم العملات العالمية لأنه لا قيمة له، لكن عندما تم تثبيته الآن ستصبح شركات الصرافة العالمية مجبرة على أن تتعامل بضمانات معينة لأن قيمته مثبته بقرار سياسي فيتعاملوا مرة أخرى به ويعود لقائمة العملات العالمية.
*هل جاء قرار التعويم تلبية لشروط صندوق النقد الدولى كإلغاء الدعم وفرض قانون الضريبة المضافة وتعويم الجنيه وهل قيمة القرض " 12 " مليار جنيه تستحق كل هذه التضحيات ؟
صندوق النقد طلب التعويم أما عن الدعم فلم يطالب بإلغاءه ولكنه يطالب بتخفيض قيمته وهذا يمثل عبئا على الدولة والفقراء، وللأسف 60% من قيمة الدعم كانت تذهب للأغنياء و40 % فقط للفقراء، فبالتالى المستفيدون الحقيقيون من الدعم لم يكن فعليا الفقراء فلدينا 20 مليون مستفيد من الدعم أغلبهم مسافر وهناك من توفى ولازال اسمه مدرجا في القوائم يوجد فساد في مسألة الدعم بشكل كبير خاصة في مجال الطاقة والخبر والأمن الغذائى ولم يمكننا التخلص من هذا الفساد الذي يسبب عبئا اقتصاديا على الدولة سوى بتحديث قواعد البيانات.
*وماذا بعد تعويم الجنيه وتغول الأسعار كيف يواجه المواطن البسيط كل ذلك ؟
30% من سكان مصر تحت خط الفقر وفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وبالتأكيد معدلات الفقر ستزيد، هؤلاء الـ 30 % قد يصلوا للمجاعة.
ولكنى أحب أن انبه إلى أن مصر ليست المرة الأولى التي تمر فيها بالأزمات واستطاعت الخروج منها، ومصر قادمة للأفضل، وهذه السياسات إذا جاءت في إطار برنامج متكامل للإصلاح الاقتصادى نوافق عليها ولكن إذا كانت هذه السياسات عشوائية بشكل ما فالمخاطرة تكمن هنا، درجة المخاطرة تكون أعلى الدولة صرحت أن هذه القرارات جاء في إطار برنامج ولكنى لا أستطيع الجزم لأنى لم أر بعيني فيجب أن تتعامل الدولة بشفافية مع الشعب ومع الخبراء لأستطيع التحليل في ضوء الموجود وليس في ضوء المتوقع، مصر تسير في اتجاه صحيح في كثير من السياسات والمشاريع ولكن يجب أن يشارك الشعب الدولة ولا يحملها المسئولية كاملة وستخرج الدولة من الأزمات بالإنتاج والتصنيع والتنمية.
*الشارع المصري لا يرى أن الدولة تسير بخطى ثابتة نحو نمو اقتصادى وهناك تخبط في السياسات ؟
الخطأ هنا أن الدولة أقامت 10 مشاريع قومية في وقت واحد، المشروعات كلها إستراتيجية وتظهر نتائجها خلال 5 سنوات لأستطيع رؤية عائد حقيقى وكان يجب على الدولة أن تبدأ خطوة خطوة ولا تفتح كل الجبهات مرة واحدة لكن واضح أن التركيز على البعد الإعلامي هو ما دفع الدولة إلى ذلك مما أدى لاستنزاف احتياطى النقد وهذا أثر على الشعب بالتأكيد، المفترض وضع إستراتيجية متوسطة المدى وتنفيذ المشروعات وفقا للأولوية، وركزت معظم الأموال التي حصلت عليها على مشروعات خدمية وليست إنتاجية، والمشروعات الخدمية لا تأتى بعائد.
مشروع قناة السويس كان من المتوقع في النصف الأول من من 2016 أن يأتى بـ5.5 مليارات دولار ولكنه أتى بـ 5.2 مليار، خسرنا 300 مليون، لم نضع في الحسبان انخفاض سعر البترول وذلك للأسف لأننا ليس لدينا معلومات كافية ومراكز بحثية تتعلق بدراسات المستقبل، فنحن لم نكن نتوقع أن سعر البترول سيقل وعلاقتنا بالسعودية ستقل وأن الإرهاب سيزيد وكذلك الكوارث الطبيعية.
*هل القرارات التي صدرت بشأن التعويم صبت في مصلحة ما أطلق عليه تظاهرات أمس 11/ 11؟
11/11 يعد فيلما لم ينته منذ أيام 25 يناير صنعته جماعات متآمرة والمعتقد أن المسئول عنها جماعة الإخوان، هذه التظاهرات تستنزف أموال الدولة، والاحتياطات الأمنية التي تتم تكلف الدولة ملايين، وتساعد في إفلاس مصر وهذا ينهك مصر اقتصاديا وأى تظاهرة جديدة ضد النظام ستؤدى لسقوط مصر، الشعب لن يحتمل، والثورات ستفشل، في تصورنا لأن الثوار يثورون بالوكالة عن الفقراء وهذا الثائر يتفاوض على أهدافه الاجتماعية ولا يمكنه التفاوض على الأهداف السياسية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"