لماذا اختارت أمريكا رئيسا ترفضه؟!
لابد أن الصدمة شديدة بل مروعة، فقد احتضن الفشل هيلاري كلينتون حتى أدماها، وأدمى عقول وقلوب أنصارها، الذين خرجوا محتجين في كاليفورنيا، على الساحل الغربي، إثر فوز البلدوزر ترامب، بل مطالبين بانفصال كاليفورنيا تماما عن أمريكا وإعلان الاستقلال، ولم يكد الأمريكيون يبيتون ليلة أخرى حتى انفجرت المظاهرات الاحتجاجية في جميع الولايات الأمريكية، ضد فوز ترامب، وترفضه رئيسا!!
هو بلا شك، كابوس حقيقي واقعي اختاره العمال واختاره البيض، واختاره الأغنياء رغم تكتل كل القوى الرسمية والإعلامية والأمنية والرئاسية ضد رجل سحر الكتلة الصلبة من البيض، بضرورة عودة أمريكا إلى عرش العظمة، وطرد اللاجئين، وبخاصة المكسيكيين والمسلمين المتطرفين، ومراقبة حياتهم على مدى الأربع والعشرين ساعة.
سقط الإعلام الأمريكي ونجح دونالد ترامب. سقط الحزب الجمهوري ونجح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب. سقطت الـFBI، المباحث الفيدرالية التي برأت منافسته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في أقل من عشر ساعات، ونجح دونالد ترامب. سقطت استطلاعات الرأي ونجح المهووس بحلمه. سقطت أموال عربية في بالوعات واشنطن، ونجح الملياردير. سقطت توسلات ودعوات ونداءات أوباما، ونجح دونالد ترامب. تفاجأ دونالد ترامب نفسه بفوز دونالد ترامب.
تفاجأت أوروبا كلها، حين استيقظت على فوز كاسح لرجل العقارات الجامح، الذي يبغض اتكالية القارة العجوز على أموال الشعب الأمريكي، ورأت في نجاحه رمزا للعنصرية، العرقية، والجنسية، والطائفية، وإلهاما وتحريضا لليمين السياسي المتطرف، في فرنسا وفي ألمانيا، وفي غيرهما من دول أوروبا. تصريحات الرئيس الفرنسي هولاند كانت غير دبلوماسية، وكشف عن أن فوز ترامب يفتح في العالم مرحلة جديدة من الغموض، كما لم تخف وزيرة الدفاع الألماني انزعاجها من فوز اليميني المتطرف ترامب.
وتوقع الاتحاد الأوروبي أوقاتا صعبة مع الساكن الجديد في البيت الأبيض. في الخندق ذاته، وقفت إيران خشية أن يلغي ترامب الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما، فألحق أفدح الأضرار بالعلاقات الأمريكية الخليجية. ومن الواضح أن نوايا ترامب هي إلغاء الاتفاق، وهو ما دفع المتحدث باسم البيت الأبيض إلى التصريح بأن إدارة أوباما متمسكة بالاتفاق النووي مع طهران حتى يوم تسلم ترامب السلطة في العشرين من يناير! وبعدها هي ليست مسئولة!؟
إسرائيل وحدها الفائز الأكبر في الانتخابات الأمريكية، ويمكن القول إن صعود ترامب سوف يشجع الدولة الصهيونية على بدء سلسلة من المغامرات في المنطقة، على حساب الأمن القومي العربي، فضلا عن احتمالات تصعيد مع الدولة الإيرانية، في تحرش محسوم يفضي لضربة هدفها القضاء على المشروع النووي الإيراني من جذوره. يمكن القول أيضا إن وهم الدولة الفلسطينية، قد مات وانتهى، وصحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تبجح قبل شهر وكشف عن نهاية ذلك الحلم الوهم إلا أن قدوم ترامب صار كابوسا أصاب فكرة الدولة الوليدة بالشلل التام. أما عن العلاقات المصرية الأمريكية فمن المتوقع أن تشهد تحسنا ملحوظا، خصوصا في ملف الإرهاب وتجريم جماعة الإخوان المسلمين، ورفع الغطاء السياسي الذي متعتهم به إدارة أوباما وكانت هيلاري ستواصله بضراوة.
التقارب المصري الأمريكي سيزداد قوة أيضا في ملف التسليح، لكنه لن يكون بالقدر ذاته في الملف الاقتصادي، وبخاصة فيما يتعلق برغبة القاهرة في توقيع واشنطن على اتفاقية التجارة الحرة، بدلا من الإعانات والمساعدات المهينة. اتفاق يرفضه ترامب حتى قبل أن يصير رئيسا. مع ذلك فإن حالة الانسجام والتوافق التي طرأت بين الرئيس السيسي والمرشح الجمهورى في لقائهما، سبتمبر الماضي، في نيويورك تسمح للخيال بتلقي المزيد من المفاجآت نحو دعم كامل لحليف إستراتيجي يحارب وحيدا الإرهاب نيابة عن العالم.
لماذا يخاف العالم من ترامب؟ لماذا يخافه الذين رفضوه وحتى الذين اختاروه، عقابا لمؤسسة الدولة الأمريكية؟
الحق أن اليأس من الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتراجع مكانة أمريكا ومصداقيتها عالميا، وانتشار الجماعات المهمشة، ألقت جميعها بالتذكرة الانتخابية في صناديق ترامب. المكسب النهائي، حقا هو افتضاح حقيقة الديمقراطية الأمريكية وسقوط مهنية الإعلام الأمريكي.هو رجل أهله وعشيرته من البيض. هو رجل إقصاء الأقليات. هو رجل منتم للذات، متمحور حولها. هو مؤمن بالقوة. القادم أسوأ وأضل.