الفراعين
"ونادى فرعون في قومه، قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين".
هكذا كان "فرعون" يظنُّ، بعقله القاصر، وغروره الشيطانى، أنه أعظم شأنًا، وأعلى قدرًا، من نبى الله "موسى"، عليه السلام، وكان يتوهم، بما أوتى من مال كثير، ومُلك كبير، أنه امتلك الدنيا بحذافيرها، وأنه احتكر الحقيقة، وحده دون غيره، فأراد أن يُصرّف الأقدار، على هواه، يأمر فُيطاع، يحكم فتُنفّذ أحكامه.
وما كان "فرعون" ليصنع ذلك، إلا إذا وجد مستنطعين ومنبطحين، وهذا فى قوله تعالى: "فاستخفّ قومه فأطاعوه"، فهكذا تصنع الفراعين، معادلة يسيرة، إنسان يسكنه شيطان الغرور، وثروة، لا ينسب فضلها إلى الله، بل ينسبها إلى نفسه، مثلما قال "قارون": "إنما أوتيتُه على علم عندى"، وصحبة ساذجة، لا عقل لها، تتداعى على موائده، وتنبطح أمامه،فترى فى غبائه ذكاءً، وفى حُمقه فطنةً، فيصدقهم، وهكذا" فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، فجعلناهم سلفًا ومثلًا للآخرين".
وفى الحديث: " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد ما شاء، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك استدراج منه له "ثم تلا راوى الحديث قوله تعالى: " فلما آسفونا انتقمنا منه".
وفرعون موسى، صار أسوة غير حسنة، لكثير من الذين أضلهم الشيطان، وجندهم بين صفوفه، فلا يعرف التواضع إلى نفوسهم سبيلا، لا يمشون على الأرض هونًا، يصعّرون خدودهم للناس، يظنون أنهم سوف يخرقون الأرض، وسوف يبلغون الجبال طولا، ويبقى سلوكهم المعوج، على هذا النمط المريض، حتى يأتيهم الجزاء الإلهى، عاقبة أليمة، ونهاية حزينة، وسيرة سيئة، مثلما حدث مع فرعون وقومه.
لم يكن فرعون موسى فريدًا من نوعه؛ لأن استنساخه لايزال متدفقًا، فى كل عصر وحين، وفى كل ملة ونحلة، ما يعكس نجاح الشيطان الكاسح فى إغواء بنى البشر، وتغييب عقولهم عن طبيعة حقائقهم القاصرة.
سوف تبقى الفراعين حاضرة بقوة، طالما ظل الغرور سلوكًا غريزيًا بين كثير من بنى البشر، الذين أضلهم الشيطان، وأعمى أبصارهم، فإنها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور.