رئيس التحرير
عصام كامل

مكتبة لكل إعلامي


"الخيبة الثقيلة"، والفشل الذريع للإعلام الأمريكي في معركة الرئاسة، أغرت كثيرين من إعلاميينا بانتهاز الفرصة للدفاع عن أنفسهم ضد الهجوم الذي يتعرضون له. علينا أن نعترف بأن المقارنة هنا لا تجوز على الإطلاق؛ ذلك أن إعلاميينا لا يملكون حظا وافرا من الأدوات والمهارات التي يتمتع بها الأمريكان.


بعض مذيعي التليفزيون المصري ومراسليه ومعديه كادوا يتسببون في كارثة سياسية أثناء تغطية احتفالات البرلمان بمرور 150 سنة على إنشائه.. وكلنا يذكرها.. هذا على سبيل المثال لا الحصر.

وبهذه المناسبة.. علينا أن نكرر أن الثقافة أداة مهمة لنجاح أي إنسان، سيما الإعلامي، فهي تعتبر أهم أدواته المهنية.. أما إذا غابت الحدود الدنيا للثقافة، وصار هناك فقر حتى في المعلومات العامة لدى الإعلامي، فتلك النهاية له قبل أن يبدأ.."الأمية الثقافية" أزمة عليها أن نخطط لحلها.

من المهم بمكان، أن يكون الإعلامي ملما بالاقتصاد، والسياسة، والمنطق، وعلم النفس، والتاريخ، والجغرافيا، والأدب. لو كان الأمر بيدي لجعلت مشروع "مكتبة لكل إعلامي" هدفا أساسيا، ورئيسيا لنقابة الصحفيين، والنقابة المأمولة للإعلاميين؛ لمحو الأمية الثقافية.

إذا كنا أمة لا تقرأ، فالإعلاميون، في معظمهم، لا يقرأون.. فقط يتكلمون ويكتبون، بأكثر جدا مما يستمعون ويقرأون. غياب القراءة ينعكس على الكتابات، والنقاشات، فنجد أغلبنا يخطئ في أبسط قواعد اللغة العربية؛ الفاعل والمفعول به، والمضاف إليه، والمبتدأ والخبر، والتثنية والجمع، والمنادى، والتمييز.. وعن الهمزات حدث ولا حرج.

وتتبدى الكارثة في أجلى صورها عندما يطمح المحرر، أو المذيع، في تأكيد حديثه بقول مأثور، أو بيت من الشعر، أو حديث شريف.. فالكثيرون يضيفون الأقوال المشهورة إلى كتب الصحاح، دون قصد.. ويكسرون أوزان الشعر، ويخترعون روايات جديدة من الأحاديث النبوية الشريفة.. وينسبون أقوالا لأشخاص لم يقولوها، وكلمات لغير أصحابها.

وكثيرا ما تستخدم اصطلاحات، وأدوات، وكلمات في غير مواضعها، مثلا: يكتبون ويقرأون: "تقليب"، وهم يعنون: "تأليب"، و"فيما" قاصدين: "في الوقت الذي يحدث فيه كذا..."..

وفي العديد من البرامج، نضبط أنفسنا متلبسين بفعل حركات غريبة من فرط الغضب والتوتر لما نصفه بـ "غباء المذيع"، أو مقدم البرنامج، خاصة في التليفزيون المصري.. فهناك بعض المذيعين يلجئون إلى "الفذلكة" فيقعون في أخطاء معلوماتية ولغوية.. وشاهدوا برنامج "صباح الخير يامصر"، وبرامج المرأة.. ويزيد الطين بلة الفساد، و"الزيس"، أي "الرشوة" لفرض ضيف معين على المشاهدين من أجل التلميع والشهرة.

وكانت صفحات الحوادث البادئة بتغيير العديد من المفردات، وتعديل معانيها خطأ؛ فيقال: "قرر المتهم"، بدلا من: "أقر المتهم"، أي "اعترف".. و"أهلية المجني عليه"، بدلا من: "أهل المجني عليه".. وغير ذلك كثير.

بعامة، الثقافة التي ستضيفها المكتبة إلى قريحة الإعلامي سيكون لها بالغ الأثر في تنقية كتاباته ونقاشاته مما يشوبها من أخطاء، وخطايا.. وستنعكس على وعي القارئ، وثقافته، وتهذيب سلوكياته.

زمان، أيام الابتدائي والإعدادي، كانت هناك حصة للمكتبة، يذهب خلالها التلاميذ لتصفح الكتب، والقراءة.. أحببنا القراءة، وفي فترة الإجازة الصيفية كنا نتجه، بمحض إرادتنا إلى المكتبات العامة.. حاليا، لا يذهب التلاميذ إلى أي مكتبة، لا عامة ولا خاصة.. خلت المدارس من الكتب.. ويتخرج الطلاب منعدمي الثقافة.. وهذا ينعكس على سلوكياتهم وتصرفاتهم، ويكاد الخريجو الكليات لا يجيدون القراءة والكتابة إلا بشق الأنفس.

مثلا، إذا سألت الطلبةَ في أيِّ كليةٍ، حتّى الآداب، ودار العلوم، والتربية، عن أسماء أشهر 10 شعراء في تاريخ الأدب العربي، أتحدى أن يتمكنوا.

نحن نواجه أزمة مستحكمة.. الأمية الثقافية، والتغلب عليها يستدعي تضافر الجهود، من وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة، ومعها الأزهر، ووسائل الإعلام، ونقابتا الصحفيين والإعلاميين.. ولنبدأ بمشروع "مكتبة لكل إعلاميّ".

مطلوب فورا تحديد عناوينَ لـ 100 كتاب من عيون التراث، في كافة المجالات.. وتوفيرها للصحفيين والإعلاميين، ووضع
آلية لإجبار، أو إغراء، الصحفيين والإعلاميين، بقراءتها في أسرع وقت، للانتقال لغيرها.. من أجل محْو ذلك العار.
بعضٌ من النقد الذاتي يُعين على علاج الأميةِ والجهل.

الجريدة الرسمية