رئيس التحرير
عصام كامل

البطل محمد طه يعقوب صاحب علامة النصر: مصر تخوض الآن حربا أشرس من الاستنزاف وأكتوبر

فيتو

*تفوقنا على الإسرائيليين في معركة جبل المر رغم أنهم يفوقوننا عددا وسلاحا.
*في معركة جبل الجبل استخدمنا الطوب لضرب القوات الإسرائيلية بعد نفاد ذخيرتنا.

*وفاة ابنتي الأولى كانت أول صدمة لي عند عودتي للمنزل بعد الحرب.



المقاتل البطل محمد طه يعقوب هو صاحب أشهر علامة نصر في التاريخ، حاصل على الشرف الوطنى في المشاركة بحرب أكتوبر المجيدة كما يقول دائما، وأحد أبطال القوات المسلحة البواسل الذين سطروا ببطولاتهم أروع قصص التضحية والفداء في عشق تراب هذا الوطن الغالي مصر.

أكد يعقوب في حوار خاص لـ "فيتو" بمناسبة الذكرى 43 لانتصارات أكتوبر المجيدة أنه بطل من آلاف الأبطال الذين لم يستطع الإعلام وقتها اللقاء بهم وإبراز دورهم الذي أصبح علامة في تحرير سيناء وطرد العدو الإسرائيلي من أرضنا بعد أن قام باغتصابها عنوة في غفلة من الزمن، ولكن سرعان ما استردت مصر عافيتها وتأهب أبناؤها لتحرير الأرض وتحقيق النصر.

وإلى التفاصيل: 
*كيف التحقت بالقوات المسلحة؟
التحقت بالجيش عقب هزيمة 1967 وبالرغم من حصولي على تأجيل من القوات المسلحة وكنت أعمل مدرسا بعد التخرج من الجامعة، لكن كان عندي إصرار على ارتداء الزي العسكري الناتج عن حبي لوطني كواحد من آلاف المصريين الذين سعوا للتطوع في هذا الوقت، خصوصا وأنا أحد أبناء بورسعيد الباسلة ورأيت بعيني ما فعله الاحتلال في حرب 56 بأهلها وتهجيرهم ثم العدوان المتكرر من العدو الإسرائيلي على المدينة.
وتحقق الحلم والتحقت بالجيش مجندا مقاتلا بسلاح المشاة، ميكانيكا، بإحدى كتائب الجيش الثالث الميدنى. ولا أخفي عليكم بأن التحاقي بالعسكرية المصرية كان شرفا كبيرا للمشاركة في الدفاع عن الوطن الذي كان يتعرض للاحتلال من قبل العدو الإسرائيلي.

*كيف علمت بساعة الصفر؟
لم أعرف ميعاد الحرب مثلى مثل باقي زملائي ولم نتوقع قيام الحرب بالرغم من التدريبات الشاقة التي نقوم بها على أرض مشابهة لمسرح العمليات بسيناء، وكنت أحلم أنا وزملائي بليلة العبور لدرجة أنه في ليلة 5 أكتوبر عندما أبلغونا بالاستعداد لم يبلغونا بأنه يوم العبور، اعتقدنا أنه مشروع حرب، ولكن عندما سمعنا أزير الطائرات المصرية تحلق في السماء فوق رءوسنا متجهة إلى سيناء ورأيناها تقوم بضرب الأبراج الإسرائيلية الموجودة خلف القناة والساتر الترابي تلاشت من ذاكرتنا عندما كنا نرى الإسرائيليين يسبحون في القناة ويظهرون أمامنا وكأنها بلادهم وكنا ننتظر الأوامر من أجل إخراجهم من أرضنا الطاهرة التي نفنى حياتنا من أجل عزتها وكرامتها لأن عقيدتنا هي النصر أو الشهادة وكانت سعادتنا أنا وزملائي لا توصف بالعبور.


*احكي لنا عن معركة جبل المر وكيف قاتلتم العدو رغم تفوقة في العدد والمعدات؟
كانت مهمتنا احتلال منطقة عيون موسى والقضاء على العدو بمنطقة "جبل المر"، في الساعة الثانية والنصف قمنا بعبور قناة السويس بأسلحتنا الخاصة وبدون أي معدات ثقيلة من مركبات سواء دبابات أو عربات قبل إقامة الكباري وإزالة الساتر الترابي وكانت قوة الكتيبة 22 مقاتلا برتب مختلفة وعقب العبور فوجئنا بانتشار 22 دبابة إسرائيلية وكلفنا القائد بإطلاق الرصاص في الهواء حتى لا يعرف العدو تسليحنا وانتشرنا في كل أنحاء جبل المر وأخذنا نناورهم ونحن نحيط بهم من الخلف حتى لا يعتقدوا أن عددنا قليل خاصة وأن معداتهم كثيرة وكنا نطلق الرصاص من أسلحتنا الخاصة في الهواء مع ترديد الله أكبر من كل اتجاه مما أصاب العدو برعب وفور انتهاء الذخيرة صدرت لنا أوامر أخرى بحمل "الطوب" لأوهام العدو بأنها قنابل وكانت فعلا إرادة الله وعونه في تحقيق النصر أن يقذف الرعب في صدور العدو حيث خرج أفراد الدبابات الإسرائيليون رافعون رايات الاستسلام وأسرنا يومها العشرات منهم وسيطرنا على المنطقة التي كانت أكثر عرضة للقذف الإسرائيلي.

*ما سر علامة النصر التي أصبحت أشهر علامة قام بها مقاتل في التاريخ؟
بعد انتهاء الحرب حصلت على إجازة وأثناء عبوري لأحد الكباري قابلت مراسلا عسكريا وطلب مني عمل حوار وتصويري بجوار الجسر وخلفي الضفة الشرقية وسيناء، فتذكرت أن خريطة سيناء الغالية وهي مثل علامة النصر فقمت تلقائيا بعملها.
ولاقت الصورة إعجاب الناس إلا الإسرائيليين الذين هزمناهم شر هزيمة وقالوا في صحفهم انظروا الجنود المصريين يلتقطون الصور، وملابسهم مقطعة أولا يعلمون أنني كنت عائدا من الجبهة بعدما لقنتهم أنا وزملائي درسا لن ينسوه، تركنا لكم الملابس الفارهة والهزيمة الساحقة.


*هناك ذكريات لا تنساها نريد إلقاء الضوء على حياة البطل محمد يعقوب الشخصية؟
قبل الحرب بنحو شهر كنت في إجازة لأري ابنتي التي ولدت وأنا على الجبهة، وكنت فرحانا جدا بها وعدت إلى الجبهة وأنا أتخيل شكلها وكل يوم بعد ساعات من القتال أجلس مع زملائي وأصف لهم شكلها وأتخيلها وهي تكبر يوما بعد يوم، وأنا غائب عنها وبعد مرور شهور لم أرها أخذت أول إجازة بعد الحرب، وأنا في قمة سعادتي بالنصر واسترداد أرضنا وكرامتنا، وبأني سأرى ابنتي الجميلة بعد غياب لكني فوجئت بزوجتي تقول لي إنها توفيت منذ شهور بعد سفرك مباشرة، انتابتني حالة من الحزن الشديد لأنني كنت أفكر فيها وأرسمها في خيالي وهي ماتت وأنا لم أكن بجوارها وقصرت في علاجها.. شعور فظيع أضاع مني فرحة النصر ولكن سرعان ما استعدت قوتي وتذكرت أنها إرادة الله فالوطن أغلى من الحياة وأغلي من الأبناء.


*كيف تري مصر والمصريين وقت حرب أكتوبر والآن بصفتك شاهد عيان على الأحداث؟
مصر اختلفت كثيرا عن الماضى فقبل حرب أكتوبر كنا نقف في طوابير للحصول على السمن والأرز والسكر وفرخة كل أسبوع وكانت كل فئات الشعب تسعى لمساندة المجهود الحربى، وتقف خلف قواتها المسلحة ولابد أن يعرف الجميع من أبناء هذا الجيل التاريخ أن مصر عاصرت وواجهت الكثير ويجب أن نحافظ على ما نحن فيه الآن من أمن وأمان والكثير من الخير بالرغم من الحرب الشرسة التي نتعرض لها والتي تفوق حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر بمراحل ونقف خلف جيشنا وقيادتنا لنعبر بمصر مرة أخرى إلى الأمان وسط مطامع كبيرة ووسط حروب دائرة حولنا في الدول الشقيقة ومصر لن تسقط أبدا بجيشها، وشعبها الذي يصبح في وقت المحن كله جيشا.
الجريدة الرسمية