رئيس التحرير
عصام كامل

الفقراء وحدهم يدفعون الثمن!


من خلال نظرة متعمقة ومراجعة نقدية لتاريخ الإنسان على سطح المعمورة، يمكننا أن نخرج باستنتاجات عامة مفادها أن الصراع الاجتماعى أحد أهم العوامل التي لعبت دورا في تشكيل المجتمعات وتطورها، ودائما ما كان الصراع الاجتماعى يتشكل وتتبلور ملامحه بين طبقتين أو فئتين أو شريحتين..


الأولى محدودة العدد دائما لكنها تمتلك كل أدوات إدارة الصراع سواء كانت هذه الأدوات اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو دينية أو إعلامية، والثانية كبيرة العدد بل وتشكل الأغلبية في أي مجتمع لا تمتلك أي شيء من الأدوات السابقة في مواجهة الأولى، لكنها تمتلك فقط قدرتها على الصراخ وبأعلى صوت عندما يفيض بها الكيل من شدة الظلم والقهر والاستبداد والإفقار المتعمد، بعد نهب وسرقة حقوقها من قبل الطبقة أو الفئة أو الشريحة الأولى.

وجاءت كل الثورات الاجتماعية عبر تاريخ البشرية لرفع الظلم والقهر والاستبداد عن الطبقة أو الفئة أو الشريحة الثانية، وتحقيق حد أدنى من العدالة الاجتماعية المفقودة بين الطرفين، في محاولة لتخفيف حدة الصراع الاجتماعى وتحقيق نسبة معقولة من التعايش والسلم الاجتماعى، الذي يساعد على استمرار الحياة، وتنمية وتطور المجتمعات بدلا من تخلفها وتدميرها، لذلك يمكننا التأكيد على أن الديانات السماوية والفلسفات والنظريات الإنسانية الوضعية ما هي إلا ثورات اجتماعية، هدفت لإحداث حد أدنى من العدالة بين الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الظالمة والمظلومة، والقاهرة والمقهورة والمستبدة والمستبد بها حتى تستمر الحياة الإنسانية وتنمو وتتطور المجتمعات.

وبنظرة فاحصة للمجتمعات البشرية ستجد أنه كلما خفت حدة الصراع الاجتماعى بين الطبقات والفئات والشرائح المتصارعة وتحقق حد أدنى من العدالة الاجتماعية، خفت حدة الفرز الاجتماعى، ونمت أعداد الطبقات والفئات والشرائح الوسطى داخل المجتمع، ومعها يحدث الاستقرار الذي يسمح بنهضة وتنمية وتطور المجتمعات الإنسانية، وهذا هو حال المجتمعات الأكثر تقدما في عالمنا اليوم. أما المجتمعات التي تشهد فرزا اجتماعيا بحيث تزداد فيها الهوة بين الأغنياء والفقراء، بحيث تؤدى السياسات العامة المتبعة إلى أن الأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يزدادون فقرا، هنا تغيب الطبقة الوسطى وتزداد حدة الصراع الاجتماعى بين من يملكون كل شيء وبين ما لا يملكون شيئا على الإطلاق، هذه هي المجتمعات الأكثر تخلفا والأقل نهضة وتنمية وتقدم.

ووفقا لرؤيتنا وطرحنا فالمجتمع المصري في اللحظة الراهنة يمكن تصنيفه بين تلك المجتمعات الأكثر تخلفا، حيث يشهد فرزا اجتماعيا مستمرا بين فئة قليلة تسيطر اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ودينيا وإعلاميا، وبين غالبية عظمى من الشعب لا تملك من أمرها شيئا،  وكل ما يمكنها أن تفعله هو الصراخ والخروج العشوائي خلف بعض القوى السياسية المنظمة التي تريد الاستيلاء على السلطة لتحل محل الفئة المسيطرة الآن، وما الصراع بينهما إلا صراع على السلطة، كما أكد على ذلك عالم الاجتماع الإيطالى "باريتو" ودائما ما يدفع الفقراء ثمن الصراع لكنهم لا يستفيدون شيئا، فصراع الصفوة السياسية مع بعضها على السلطة يختلف عن صراع هذه الصفوة السياسية مع الشعب، فكل الصفوات السياسية حين تصعد لسدة الحكم تعمل على تحقيق مصالح طبقتها وفئاتها وشرائحها على حساب الشعب، وهنا يدفع الفقراء وحدهم الثمن.

وفى المشهد المصرى الحالى الذي بدأ منذ 25 يناير كان هناك نوعان من الصراع الأول على مستوى الصفوة السياسية تبلور بين صفوتين الأولى صفوة جماعة مبارك الفاسدة، والثانية صفوة جماعة الإخوان الإرهابية، وكلهما ينتمى للطبقة العليا داخل المجتمع التي تسعى للسيطرة والهيمنة على كل أدوات ممارسة القوة داخل المجتمع. والنوع الثانى من الصراع هو الصراع بين من يصعد للجلوس على سدة الحكم، وبين الغالبية العظمى من شعب مصر من الفقراء والكادحين الذين أفقرتهم سياسات نظام الانفتاحية الرأسمالية الفاشية المنحطة، فما حدث بعد خروج الفقراء صارخين في وجه مبارك في 25 يناير مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أنهم قد عادوا لبيوتهم ينتظرون ما طالبوا به، فكان الثمن المزيد من المعاناة بعد صعود الإخوان لسدة الحكم، وعندما خرج الفقراء على مرسي في 30 يونيو صارخين مطالبين بنفس المطالب، ثم عادوا إلى بيوتهم ينتظرون تحقيق مطالبهم، كان الثمن المزيد والمزيد من المعاناة بعد عودة جماعة مبارك لسدة الحكم.

واليوم تحاول جماعة الإخوان الإرهابية استخدام الفقراء مرة أخرى في صراعها مع جماعة مبارك الفاسدة- التي تدعى أنها تقوم بإصلاح اقتصادى فعومت الجنيه وألغت الدعم على المحروقات فأغرقت الفقراء وحرقت قلوبهم- ليعودوا من جديد لسدة الحكم، لذلك على الفقراء أن يستوعبوا دروس التاريخ جيدا، ولا يستجيبوا لهذه الدعوات التي لن يحصدوا من ورائها إلا مزيد من المعاناة، فهم وحدهم يدفعون الثمن، وعليهم أن ينظموا صفوفهم ويخرجوا من بينهم طليعة يمكنها أن تدخل في صراع مباشر مع جماعة مبارك وجماعة الإخوان، فالثورة الحقيقية تقوم بها طليعة منحازة إلى الفقراء، وعندما تصل للحكم تقوم بتحقيق مطالبهم، وإعادة التوازن للخريطة الطبقية عبر سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية يدفع ثمنها من سرق ونهب قوت الشعب وبعدها ينتقل الفقراء إلى الطبقات والفئات والشرائح الوسطى فينهض المجتمع وينمو ويتقدم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية