بالأدلة.. تقرير لجنة العموم البريطاني عن الإخوان «كذب وتضليل وتدليس».. تجاهل دعوات حمل السلاح.. لم يتطرق إلى القتل العمد لرجال الدولة.. وضع «ذمة إنجلتزا» محل شك
تسييس وتدليس مشبوه.. من هنا يمكنك قراءة تقرير لجنة الشئون الخارجية في البرلمان البريطاني، والذي حقق في تعامل الحكومة الإنجليزية مع ملف جماعة الإخوان، وخرج باستنتاجات تشير إلى أن مصر كانت ستؤول إلى «مكان أكثر عنفًا لو دعمت جماعة الإخوان العنف أو أقرته» بحسب نص التقرير، ما يعني أن التقرير المزعوم تجاهل الدعوات الصريحة لحمل السلاح، بل وانقسام الجماعة نفسها بين مؤيد للعنف والدماء، والعمليات النوعية الإرهابية بحق رجال الدولة، وبين منتظر للخلاص الإلهي، ولكنه في نفس الوقت لا يرى فيما يفعله «إخوانه» عيبًا أو حرامًا.
ضد الشفافية
في أولى ملاحظات اللجنة التي ترأسها كريسبين بلانت، أكدت أن «حكومة بلادها» لم تنتهج الشفافية، ما يعني أنها ربما خضعت لإملاءات دول خليجية، طالبت بإدانة الجماعة بعد عزل محمد مرسي في يوليو 2013، وطالبت وزارة الخارجية البريطانية بإدانة النفوذ الذي يمارسه الجيش المصري في السياسة، على اعتبار أن ذلك يناقض القيم البريطانية حسب زعمها.
لجنة محل شك
وغفلت اللجنة التي تتكون من «عتاة الساسة في بريطانيا» أنها بنفس القياس، تضع نفسها محل شك، فالذي يقدر على شراء حكومة إنجلتزا ويؤثر في مواقفها الدولية، وهي التي تمتلك السلطة لتحريك القرار السياسي لبلادها، قادر على شراء «ذمم» صقور هذه اللجنة، وبالتالي لا تصلح بريطانيا بهذه الذمم الخربة على المستوى الحكومي والبرلماني للحكم في مسألة دولية بغاية الخطورة.
كما قال التقرير: «إن الإسلاميين اعتنقوا الانتخابات كآلية للتنافس على السلطة والفوز بها، وينبغي أن يسمح لهم بالمشاركة بحرية في العمليات الديمقراطية، واستندوا إلى صعود بعض أحزاب الإسلام السياسي، وعلى رأسهم حزب النهضة التونسي الذي تنازل عن السلطة بعد خسارتة في الانتخابات، ولايمكنك هنا إلا «التحفيل» الذي لاتعرفه الأدبيات الإنجليزية، على هذا التنظير بالغ الرداءة، فحركة النهضة كانت تتبع في بدايتها نفس «العجرفة السياسية» التي مارستها إخوان مصر».
واعترف الغنوشي بنفسه أنهم اتعظوا كثيرا مما حدث للجماعة الأم في مصر، بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وانزواء الإخوان للأبد، وبعدما كانت النهضة تسير بتونس للصدام مع كافة التيارات المعارضة، اتبعت انفتاحا على الجميع ولم ينس لها التونسيون ماجري، فكانت هزيمتهم الكبرى في الانتخابات التي تتباهى بها لجنة العموم البريطاني.
رسائل غامضة
المثير للسخرية، ما قالت عنه اللجنة إنها رصدت تباين في الرسائل الصادرة عن الإخوان والتيارات الإسلامية والتباين فيها باختلاف المتلقين، إذا ما كانت بالإنجليزية أم بالعربية، معتبرة أنه لا يمكن الادعاء بأن هذه الصفة تخص الإسلاميين السياسيين دون غيرهم.
وربما نتفهم ذلك إذا ماكنت اللجنة ترصد دعاية سياسية من حزبين متضادين، ولكن عملية الرصد التي قامت بها، أحد طرفيها جماعات تستبيح العنف وتوجه أنصارها لحمل السلاح، وتُكّبر للعمليات النوعية الإرهابية وتعتبرها عملا دينيا مشروعا ضد السلطة، وهذا أمر لا يمكن فهمه، كما أن التقرير لم يوضح نوعية رسائل التباين ومحتواها، أو المدى الزمني لمدة الرصد، وهل بدأ ذلك منذ عزل مرسي مرورا باعتصامات رابعة والنهضة والتحريض والتهديدات التي كانت تخرج بأن شرعية المعزول وإخوانه دونها الرقاب، وهل رصدوا أيضا الضحايا الذين أدلوا بشهادتهم وتم تعذيبهم بمحيط الاعتصام وداخله وخارجه لمجرد الاشتباه في تأييد الضحية لعزل الإخوان عن السلطة أم لا.
كما جاءت دعوة اللجنة لوزارة الخارجية البريطانية لتشجيع جماعات الإسلام السياسي على القبول بـ«تفسير للعقيدة» والذي من شأنه أن يحمي الحقوق والحريات والسياسات الاجتماعية التي تنسجم مع القيم البريطانية، وهنا لم يكن يحتاج الإنجليز إلا البحث عن محرك جوجل الشهير ليشاهدوا بأم أعينهم المناظرة الشهيرة التي جرت بين الدكتور سيد القمني المفكر والباحث وهاني السباعي محامي الجماعات الإسلامية المقيم بلندن، والذي كفر القمني على الهواء ودعا لقتله لمجرد اختلافه معه فكريًا وليس عقائديًا، مايجعل التقرير يجافي الموضوعية والواقع.
تقرير مدفوع الأجر
واعتبرت اللجنة أنه لا يوجد حركة سياسية بإمكانها أن تتحكم تمامًا بالأفراد من منتسبيها أو مؤيديها، وخاصة إذا ما وجدوا في أجواء من التحريض الشديد، واعتقال النشطاء السياسيين وحبسهم دون محاكمات عادلة وإغلاق المحافل السياسية التي يمكن من خلالها النظر في التظلمات والشكاوى، من شأنه في الأغلب أن يدفع بعض الناس نحو التطرف، وغفلت أو تغافلت عن دعوة النظام المصري الحالي لاحتواء جميع أبناء الوطن من منصة إلقاء بيان 3/7 الشهيرة، وكان على رأس هؤلاء جماعة الإخوان التي رفضت الاندماج في المجتمع وقتها وأطلقت التهديدات في الهواء، ورهنت ما يحدث في سيناء من عنف كتهديد، بعودة مرسي للحكم مرة أخرى، مايعني أن إغلاق المجال السياسي كانت من طرف الإخوان وبالتبعية تضرر المجتمع بأكمله بما فيهم الجماعة الصحفية التي ينتمي لها كاتب هذه السطور، مايجعلنا نسلم أن التقرير البريطاني «مدفوع الأجر» وبالتالي نتيجته كحرث في ماء.