رئيس التحرير
عصام كامل

لا تصدقوهم!


مفهوم بالطبع أن تتعرض الحكومة للانتقاد بسبب القرارات الأخيرة التي أصدرتها سواء الخاصة بتعويم الجنيه أو برفع أسعار المنتجات البترولية؛ لأن هذه القرارات سوف ترتب أعباءً على الناس، وتخفض من دخولهم المعيشية.


ومفهوم أيضًا أن من كان من قبل يرفض تعويم الجنيه ورفع أسعار المنتجات البترولية يستمر في انتقاده الحكومة بعد أن حدث ما كان يحذر منه ويرفضه.

لكن غير المفهوم بالمرة أن بعض الذين كانوا يلحون على الحكومة ليل نهار باتخاذ هذه الإجراءات يخرجون الآن لانتقاد الحكومة، لأنها اتخذتها دفعة أو حزمة واحدة أو في توقيت واحد، بل إن منهم من يطالبها بمراجعة ما فعلته والتراجع عن رفع أسعار المواد البترولية.

أنا هنا لا أقوم بتقييم ما اتخذته الحكومة من قرارات، وإنما أنا أرصد فقط ظاهرة مثيرة للانتباه وجديرة بالبحث لقد ظل البعض يوجه اللوم للحكومة لأنها تأخرت في اتخاذ ما يراه ضروريا وصائبا من القرارات.. ويقول: كيف تستمر الحكومة في إهدار مواردها المحدودة في تقديم دعم طاقة لمن لا يستحقه، وتترك الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة بلا عون كاف، ويطالبون بإلحاح بضرورة إلغاء دعم البنرين والسولار والمازوت، ناهيك بالطبع عن الكهرباء.. كما ظل هؤلاء طوال الوقت الماضي وحتى ليلة تعويم الجنيه يتهمون الحكومة والبنك المركزي بالتردد والخوف؛ لأنه لا يتخذ القرار الضروري بتعويم الجنيه، ويترك السوق النقدية تعاني الفوضى والاضطراب، والمضاربين يتلاعبون بسعر الجنيه، والمستثمرين يهربون من مصر، والمنتجين يتوقفون عن الإنتاج، والمستوردين يمتنعون عن استيراد السلع المهمة مثلما حدث في استيراد السكر.

وعندما اتخذ البنك المركزي قراره بتعويم الجنيه المصري انتفض هؤلاء ينتقدون البنك المركزي، لأنه قرر سعر الصرف وعوم الجنيه، ولم يكتف باتخاد قرار بتخفيض فقط ليتساوى مع السوق السوداء.

وكذلك عندما اتخذت الحكومة قرارها بزيادة أسعار المواد البترولية انتفض هؤلاء أيضًا؛ ليهاجموا الحكومة لأنها عجلت بقرارها هذا، ولم تؤجله بعض الوقت -هناك من حدد هذا الوقت بشهر- لأن «خبطتين في رأس المستهلك توجع».

وهذا أمر يدعو للدهشة.. أن يمارس البعض ضغوطًا على الحكومة لكي تتخذ قرارات اقتصادية معينة، يعرفون أنها مؤلمة اقتصاديًا لعموم الناس، مؤكدين أنها في مصلحتهم ومصلحة الاقتصاد المصري، وعندما تستجيب الحكومة لهم وتتخذ هذه القرارات يهاجمونها، بل البعض يطالبها بالتراجع عن بعض هذه القرارات، والبعض الآخر يطالب بإقالتها ويعتزم تقديم استجوابات لها في البرلمان!

وهؤلاء بالمناسبة ليسوا إعلاميين فقط، بل منهم خبراء اقتصاديون وبرلمانيون كانوا يحاكمون الحكومة قبل أيام لتأخرها في إصدار هذه القرارات.. فهل هؤلاء يمكن أن نصدقهم مستقبلا؟!
الجريدة الرسمية