رئيس التحرير
عصام كامل

المترجمون في ألمانيا.. سلطة خفية تؤثر في مصير اللاجئين

فيتو

مع تزايد أعداد اللاجئين، تنامى الطلب على المترجمين الفوريين، الذين باتوا يلعبون دورًا كبيرًا في إجراءات اللجوء وحياة اللاجئ في ألمانيا. لكن في ظل غياب نظام يقنن مزاولة هذه المهنة، يمكن لأي خطأ أن يتسبب في عواقب وخيمة.

بعد سنة وشهر من الانتظار، ورغم وضعه الصحي الحرج، عاد الأمل للشاب السوري زياد (اسم مستعار) وذلك بعد دعوته لإجراء مقابلة شفوية بدائرة الهجرة وشئون اللاجئين في دوسلدورف. لكن ما واجهه هناك لم يكن في حسبانه. فالمترجمة التي رافقته، لا تتقن اللغة الألمانية بالشكل الكافي، كما أنها "ترجمت كلامه بشكل خاطئ"، كما ذكر.

"لا تحكي لهم قصة حياتك" بهذه الجملة نبهت المترجمة الشاب السوري إلى ضرورة الاستعجال في حديثه وعدم الخوض في التفاصيل، لكن السبب وراء هذا الاستعجال كان "لعدم كفاءتها اللغوية" كما جاء في حديث زياد لـDWعربية عما حصل معه خلال المقابلة الشفوية: "من الواضح أن لغتها الألمانية ضعيفة. فمنذ جلستنا مع المسئولة الألمانية وهي تطلب مني الاستعجال في الكلام، كانت فقط تريد أن تنهي عملها بسرعة لتعود للبيت، بالإضافة إلى تدخلها أحيانًا في بعض الأمور وعدم ترجمتها لكل ما أقوله".

وبسبب إقامته لمدة سنة في ألمانيا كان الشاب على دراية ببعض الجمل الألمانية البسيطة، لهذا بدا له أن المترجمة كانت تترجم بشكل مغاير لكلامه، "لقد كانت تجهل بعض المفردات والمعاني باللغة الألمانية وهنا كانت تلجأ لاستعمال تطبيق الترجمة على هاتفها الخاص".

لكن بعد أن طرحت المسئولة الألمانية سؤالًا عن بلده الأصلي، أخبرته المترجمة بأنها تقصد البلد الذي توجه إليه، هنا اكتشف الشاب أنها تترجم بشكل خاطئ، فنفذ صبره ونشب شجارعنيف بينه وبين المترجمة، مما اضطر المسئولة الألمانية للتدخل لفهم ما يحدث بينهما.

ويقول: "سألتنا عن سبب ما يحدث وأجبتها بأن المترجمة ترجمت كلامي خطأ، ولكن لعدم توفرهم على مترجم بديل اضطررت لمواصلة المقابلة، مع شعوري بالظلم بسبب هذا الموقف". مر على هذه المقابلة شهر ونصف تقريبًا، ولا يزال الشاب السوري ينتظرمصيره وهو يعيش تحت هاجس التأثير السلبي لتلك الترجمة "الخاطئة" على طلب لجوئه، كما يعتقد.

"شعور مخيف من البلد"
أما فراس سليمان، 39 عامًا، وهو يعيش في ألمانيا منذ عشرة أشهر، فهو يعانى منذ وصوله ألمانيا، بسبب كتابة اسمه بشكل خاطئ، وعن مشكلته يقول فراس لـ DWعربية: "واجهتني مشكلة كبيرة عند وصولي لألمانيا حين قمت بالتسجيل لطلب اللجوء، كتبت المترجمة اسمي خطأ على أوراق التسجيل، بالرغم من تزويدها بصورة عن جوازسفري وهويتي الشخصية ودفتر العائلة بالاسم الصحيح وتنبيهي لها بضرورة كتابته بالطريقة الصحيحة".

استلم فراس جميع الأوراق بالاسم الخطأ وبعد شهرين تقدم إلى محكمة بطلب لتصحيح اسمه، مما اضطره مجددًا لمراجعة جميع الدوائر المسجل فيها أيضًا لتعديل اسمه وحاليا تطالبه المحكمة بالوثائق الشخصية التي تثبت هويته السورية، والتي سلمها في البداية للمترجمة التي نفت وجود تلك الوثائق لديها، حسب قوله.

المشكلة التي تعرض لها بسبب "إهمال المترجمة" ونظرته السلبية لتعاملها معه، كان لها أثر كبير فى نفسية فراس ونظرته للبلد الذي وصل إليه، "لقد كانت تعمل بلا رغبة وتتأفف كثرًا وشعرنا أنها تنظر للاجئين الموجودين بنظرة سيئة وبتعالٍ"، ويضيف بنبرة حزينة:"كان تعاملها غير إنساني مع الناس وخصوصًا أننا كنا جددًا على ألمانيا ولا نعرف أي شيء، فعندما تستقبلك إنسانة عربية بهذا الشكل، ماذا عن الألمان.. لقد انتابنا شعور مخيف من هذا البلد".

لم يعثر فراس لحد الآن على وثائقه الشخصية، وهو يريد في الأثناء تعلم اللغة الألمانية بشكل جيد، وأن يستغني عن خدمات المترجمين.

خطأ في الترجمة كاد أن يودي بحياته
لا يقتصر تأثير الترجمة فى إجراءات اللجوء، وإنما يشمل جوانب أخرى مهمة من حياة اللاجئين في ألمانيا كالعلاج. محسن شاب سوري وصل إلى ألمانيا عام 2015 وهو مصاب خلال الحرب بعجز في قدمه اليمنى، لهذا كانت حالته تستدعي العلاج الفوري، في مركز اللجوء شرح للمترجمين المختصين هناك وضعه الصحي وطلب منهم مرافقته للطبيب، وعن الموقف الذي تعرض له مع المترجمة التي رافقتــه والذي وصفـه محسن بـ"العنصري" و"الصادم" يقول لـDW عربية: "كان يبدو عليها وكأنها ترافقني مجبرة وقد كان برفقتي أيضًا صديق سوري، ودون وعي منها قالت للطبيب باللغة الإنجليزية امنحه حبوب مسكنة للآلام ودعه يغرب عن وجهي، تدخل صديقي موبخًا لها على طريقة حديثها عني وأنا في تلك الحالة وبحاجـة للعلاج".

أمـا الخطأ الذي كاد أن يودي بحياة الشاب السوري، فقد كان، كما يقول، بسبب المترجم أيضًا، عندما طلب منه محسن أن يخبره بجرعات الدواء اللازمة، خصوصًا أن للدواء مفعولا قويا، لهذا كان من المهم التقيد بالجرعات التي وصفها الطبيب، إلا أن الجرعات التي أشار بها عليه المترجم كانت خاطئة: "لو لم أستشر صديقا سوريا يعمل كطبيب لكنت الآن ميت.


ويؤكد الشاب، الذي تحدث عن تجربته مع المترجمين بحرقة، بأنه ليس كل المترجمين العرب سيئين ولكن عددا منهم و"إضافة إلى كونهم غير مؤهلين، ينظرون للاجئين الجدد بنظرة استعلاء و"استغلال مادي"، حسب قوله.

فجوة ثقة بين اللاجئ والمترجم
منذ شهرين واجهته مشكلة مع المترجمة المتطوعة، والتي أخبرها في طريقهم إلى دائرة التسجيل لطلب اللجوء، أنه قد حصل على إقامة لسنة واحدة وأنه طعن في القرار للحصول على إقامة لثلاث سنوات، لكن ما حصل بعد ذلك للشاب السوري، هائل سعيد، أفقده الثقة في المترجمين.

ويقول هائل لـDW عربية: "عند المقابلة أخبرت المترجمة الموظفة بأنني طعنت في قرار منحي الإقامة لسنة واحدة، فكيف سيسجلونني للحصول على طلب للإقامة؟"، بعدها رفضت الموظفة الألمانية إكمال التسجيل وحصل هائل على موعد آخر بعد شهر.

هائل مقبل على تعلم اللغة الألمانية ولكنه قرر أن يترك ألمانيا وأوروبا بشكل عام، بسبب معاناته في ألمانيا من البيروقراطية، فلو سمح له التحدث بالإنجليزية مثلًا لما حصل معه، ما حصل، بحسب رأيه.

المترجم الفوري.. "مهنة غير محمية"
بقاء مهنة المترجم الفوري في ألمانيا كمهنة غير محمية قانونيا بالشروط المهنية ظلت مفتوحة أمام الجميع سواء المؤهلين أوغيرالمؤهلين، مما قد يتسبب في تعرض اللاجئين لعواقب وخيمة، لا سيما في المسائل القانونية والطبية.

وعن طبيعة مهنة المترجم الفوري في ألمانيا يوضح السيد مشائيل فايلنشميد وهوعضو في الرابطة الألمانية للمترجمين الفوريين والتحريريين لـDWعربية بأن هناك مترجمين مؤهلين ويحملون شهادات جامعية، كما أنه يمكن للمترجم، الذي لم يدرس الترجمة أن يحصل على التأهيل لمزاولة المهنة بدون شهادة جامعية وذلك عن طريق اجتياز امتحان الدولة الألماني (امتحان وطني يتم بموجبه إجازة ممارسة مهنة مترجم). كما أن المحاكم والشرطة تشغل فقط المترجمين الذين يؤدون اليمين أمام الهيئات القانونية والقضائية في جمهورية ألمانيا الاتحادية.

وبخصوص نظرته لإشكالية الترجمة الخاطئة والأضرارالمترتبة عنها بالنسبة للاجئين يقول فايلنشميد: "نأسف لذلك لأن مهنة المترجم مهنة غير محمية فأي شخص يستطيع أن يسمي نفسه مترجمًا وأن يوزع بطاقات تعريفية، كما أن عمل المترجمين لا يخضع للمراقبة من طرف السلطات، كالتي يخضع لها الأطباء والمهندسون مثلًا".

ويؤكد فايلنشميد أن ضمان الجودة في الترجمة، يحصل في حالة التزام الدوائر الإدارية الألمانية بتوظيف مترجمين مختصين ومؤهلين سواء من حملة الشواهد الجامعية أو من من اجتازوا الاختبارات الوطنية للمترجمين المتخصصين.

هنا يكمن خلل أساسي!
ويستعين المكتب الاتحادي الألماني للهجرة وشئون اللاجئين بالمترجمين الذين يستوفون الشروط اللازمة، لكنهم ليسوا ملزمين بامتلاك شهادة جامعية في مجال الترجمة، وعن نظرة المسئولين في السلطات الألمانية لمسألة الترجمة والإشكاليات المترتبة عنها يكشف كريستوف زاندر، وهو مسئول بالمكتب الاتحادي للهجرة وشئون اللاجئين لـDWعربية عما يجري خلال المقابلة الشفهية: "يحرص الموظف خلال المقابلة على الـتأكد من أن التواصل بين طالب اللجوء والمترجم الفوري يسير على نحو كاف، وأحيانًا يمكن تغيير المترجم في حالة وجود مشكلات في التواصل أو لأسباب أخرى".

ويؤكد زاندر أنهم ينبهون طالبي اللجوء للدور المهم للمترجم الفوري خلال المقابلة وأنه ملزم بالتعامل مع كل المعلومات الخاصة بهم بسرية تامة، وعند الانتهاء من تدوين كل المعلومات والمعطيات في محضر شامل، يقر طالب اللجوء بصحة كل ما جاء فيه من خلال توقيعه الشخصي، وهذا المحضر يمكن ترجمته بعد ذلك إلى لغة طالب اللجوء.

من جانبها تنظر منظمة برو أزول المدافعة عن حقوق اللاجئين للترجمة "كإشكالية معقدة"، يجب التعامل معها بجدية أكثر، وفي حديثه لـDW يقول الخبير القانوني بالمنظمة، برند ميزوفيك: "نتلقى شكاوى من طالبي اللجوء دائما حول الترجمة الخاطئة، ولكن المشكل يكمن في صعوبة الإثبات، فالعديد من اللاجئين يرتكبون الخطأ ذاته وهو التوقيع على محضر المقابلة الشفوية بالرغم من وجود مشكلات تواصل بينهم وبين المترجم المرافق، وهذا ما لا يجب أن يفعلوه".

ويدرك ميزوفيك وزملاؤه في المنظمة وقوع أخطاء أحيانًا أثناء المقابلة الشفوية، عندما يطلبون المحاضر من السلطات ويطلعون على ما جاء فيها، "يبدو لنا النص من حيث الفهم غير منطقي، ولكن بسبب التوقيع يقر اللاجئون بصحة أقوالهم وهذا يعني قانونيًا موافقتهم على ما جاء بالترجمة الفورية وبكل المعطيات والمعلومات، وهنا نواجه مشكلة كبيرة في إثبات العكس".

إيمان ملوك - دوسلدورف

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية