تغيير الحكومة أم تغيير السياسات
اعترف أن الصدمة لم تنطقني سوى بالصمت الطويل.. كنت أقلب بين الأخبار والآراء وكأني أبحث عن خبر ينفي ما قرأته سابقا.. أو يؤكد أن ما تم الإعلان عنه ليس أكثر من شائعات أطلقها الإخوان للحشد لثورة الغلابة التي لا نعرف إن كانوا هم أصحابها أم لا ؟
ولكن كلما قرأت كان يؤكد أنها قرارات اقتصادية حاسمة.. اتخذت وبجرأة لم نعهدها من حكومة شريف إسماعيل.. وبدا الأمر كما لو أنه صفقة.. حكومة تتخذ قرارات صعبة لن تجرؤ أعتى الحكومات على اتخاذها.. وشعب يثور.. فتستقيل الحكومة.. ويهدا الشعب.. وتظل القرارات التي ثار الشعب من أجلها.. بعد يومين من الصدمة أكتب.. وبعد أن أصبح القرار واقعًا.. وكاد البعض من الشعب يرضى.. ويهمس البعص الآخر نلتقي يوم 11 نوفمبر؟
اليوم الأحد بداية الأسبوع.. وبعد أن قرأنا بالأمس أخبارا تؤكد أن أسعار تذاكر المترو سوف تصل للثلاثة جنيهات وبعد قليل تم نفى هذه الأخبار لذا أقول... أوافق على تعويم الجنيه.. أوافق على رفع الدعم عن المحروقات بل مساواتها بالأسعار العالمية.. بل أوافق على رفع سعر تذكرة المترو.. وزيادة الأسعار.. ورفع الدعم عن السلع.. وإذا كانت كل هذه الإجراءات سوف تجلب الاستثمار وتحمي البلد من الخراب وإعلان الإفلاس.. أوافق.. بل نوافق جميعا.. فقراء وأغنياء وبين الطبقتين.. ولكن.. قبل أن تحملني فاتورة كل الأعباء الاقتصادية وتصدر قرارات تمس قوتي اليومي.. افرض قرارات وقوانين تضبط الأسواق.. وتحميني من الاستغلال وجشع التجار.. طيب التسعيرة الجبرية.. وتغليظ العقوبات وفعل القوانين.. اقضي على الفساد والفاسدين..
ارفع المرتبات التي تجمدت منذ عامين في انتظار صدور قانون الخدمة المدنية.. أغلق الكافيهات والمحال التجارية الساعة 10 مساءً لكي ينهض الشعب حين تدق ساعة العمل في السابعة صباحا.. انهض بالتعليم.. واكفل المعلم الذي انهارت قيمته أمام كوب الشاي وقطعة الجاتوه.. اقضي على الدروس الخصوصية التي قصمت ظهور الآباء والأمهات.. وافتح أبواب مدارس الحكومة التي تعلمنا فيها.. وخرج منها الرئيس والوزير وأصحاب القامات حتى تحمل عن كاهلنا أعباء المدارس الخاصة التي لا قبل لنا بها بعد ما حدث..
من حقي أن أجد غطاء تأمينيا محترما.. يكفل العلاج بآدمية حين يأتيني المرض فجأة.. فلا يحل محله الموت فجأة، بسبب جشع المستشفيات الخاصة التي تتاجر بدماء المرضى وفشل مستشفيات الدولة التي يقف أمامها المرضى طوابير بالشهور.. وفر لي وسيلة مواصلات تحترم آدميتي وأجدها حين يضرب سائقو الميكروباص اعتراضا على التعريفة التي أقرتها المحافظات.. من حقي أن أجد قضاءً عادلا ناجزا.. لا تضيع الحقوق فيه على أعتاب الأهواء والإجازات القضائية الطويلة.. وثغرات القوانين.. التعليم والصحة هو المشروع القومي الأولى بالإنفاق..
الاستثمار في المواطن هو المشروع القومي الأولى بالاجتذاب.. وسن القوانين.. وتطبيق قرارات إصلاحية واقتصادية.. إذا كان على واجبات.. فلي حقوق.. وإذا كان الحل في التقشف وترشيد الاستهلاك سوف نفعل.. ولكن في ظل قانون يحميني من النصب والفساد والاتجار بقوتي وقوت أولادي..
يا سيادة الرئيس:
أؤمن بك.. أؤمن بوطنيتك.. بإخلاصك.. ورغبتك في الإصلاح ووضع البلد على الطريق الصحيح.. أؤمن بأنك تعمل لوجه الله.. وأن هدفك أسمى من مناقشته.. ولن أطلب منك أن تعيد النظر في قراراتك.. سأطلب أن تفكر مرة أخرى في أولوياتك.. لن ينهض هذا الشعب ويغير ما حفرته السنين إلا إذا تعلم..
التعليم.. القانون.. الصحة.. ابدأ بهذا المثلث فإن اكتمل افعل ما شئت.. كل دول العالم المتقدم تقدمت بالتعليم.. لن ألوم رئيس الوزراء ولا الوزراء فهم ينفذون سياسات.. وتغيير الحكومة ليس هو المطلب الآن.. ولن يهدأ الشارع بتغييرها.. ضبط الأسواق والسيطرة على أداء العملة والتوازن بين الدخول والأسعار.. هو الحل لكي يهدأ الشارع..
الخطوة التالية لابد أن تكون في تجاه بناء الإنسان قبل المكان.. بناء المستقبل.. قبل العواصم والأنفاق والطرق.. التحدي كبير.. والمواطن سيدعم القيادة حين يجد الاستثمار في المستقبل هو الأولوية.. وإذا كانت القرارات الأصعب قد اتخذت.. فليتبعها إجراءات تحافظ على مكتسباتها من النهب والسرقة والفساد.. والجشع.. والجهات الرقابية على علم بكل ما يحدث.. والقانون وحده كفيل بالفاسدين دون تفرقة..