خطة اليابان الثلاثية في تطبيق السياسة التقشفية
كوكب اليابان الشقيق... جملة أطلقها الشعب المصرى على الدولة الآسيوية لتقدمها التكنولوجى واختراعاتها المبهرة لتسهيل حياة الإنسان اليومية حتى أثناء تطبيقها منذ أعوام لخطة تقشف أملًا في التخلص من دين هو ضعف دخلها القومي.
وتعود أزمات اليابان الاقتصادية في التاريخ الحديث إلى ما بعد انتهاء الحرب الكورية عام 1953، عندما واجهت مشكلات التضخم، وانخفاض العملة، ونقص الطاقة لاعتمادها التام على الفحم رغم اتجاه العالم للنفط، والتخلف التكنولوجي، انخفاض حاد في الصادرات. وهنا أدرك الشعب والحكومة حاجتهما إما للتقشف أو تخفيض قيمة العملة، فاختارا التقشف ولكن في نفس الوقت انتبها لتحسين الإنتاجية والاستثمار في القطاع التكنولوجي.
ورغم ذلك شهدت اليابان فترات ضعف اقتصادى أخرى منها عام 1974؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط من 2 إلى 11 دولارًا وسجلت طوكيو حينها أول معدل نمو بالسالب – 0،8%، وعلى الفور اتبعت الحكومة إستراتيجية ترشيد الاستهلاك وأطلقت حملة شاملة لتغيير سلوك الشعب في استهلاكه للطاقة، ولكن أصعب السنوات التي عاشتها الدولة الآسيوية كانت بين عامى 1990 و2001 عندما انخفضت قيمة الين بجانب معدل النمو ودخل الاقتصاد اليابانى في مرحلة الركود والتقلبات المالية.
وفى 2010، أعلنت اليابان خطة تقشف ثلاثية من خلال تقليص نفقاتها على مدى ثلاثة أعوام من أجل احتواء الدين العام الهائل وطمأنة الأسواق التي سادتها البلبلة نتيجة مشكلات الميزانيات الأوروبية مع زيادة توقعاتها للنمو، هذا فضلا عن وعدها بطرح إصلاح ضريبى سريعًا عبر زيادة في ضريبة الاستهلاك التي بلغت وقتها 5%، وتعهدت الحكومة أيضًا بمواصلة إصدار سندات الخزينة اللازمة لتمويل العجز العام بحيث يبقى أدنى من مستوى 44 ألف مليار ين.
ورأت الحكومة في هذا الوقت أن السياسة الجديدة التي يجب تبنيها منذ تسلمها السلطة في 8 يونيو من نفس العام تحت شعار “اقتصاد قوى ومالية قوية ورعاية اجتماعية قوية” هي “تعزيز خدمات الرعاية الاجتماعية” من أجل تحسين ورفع معنويات المستهلكين، وبالتالى زيادة الإنفاق.
ولأن اقتصاد أي دولة حتى ولو كانت ذات بنية قوية لا ينهض في غمضة عين، كان أول تعهد لرئيس الوزراء الأسبق “يوشيهيكو نودا” قبل حتى توليه المنصب في سبتمبر 2011 هو “تنفيذ إجراءات تقشف” ودعا لوحدة حزبية للتعامل مع أزمة الين، والانكماش، والتعافى من الكوارث وإعادة الإعمار، مؤكدًا لوسائل الإعلام اليابانية أنه يريد أن يبعث رسالة لداخل اليابان وخارجها مفادها أن الانضباط المالى اليابانى لم يضمحل.
وتقريبًا اعتاد الشعب الذي ذاق مرارة قنبلة “هيروشيما” الذرية على إجراءات التقشف التي التزم بها المواطن والمسئول اليابانى على حد سواء، واعتبروها ملاذًا حقيقيًا قائمًا على السلوك الشخصى من خلال ترشيد الاستهلاك والتوسع في الإنتاج لدرجة اعتماد المواطنين بشكل كبير على المراوح اليدوية المصنوعة من الورق والخيزران رغم تقدمهم التكنولوجى وإنتاجهم مراوح كهربائية وأجهزة تكييف فائقة التطور، وليس هذا فحسب، بل قرر اليابانيون الاستغناء عن الأكياس البلاستيكية وفضلوا المصنوعة من القماش لإعادة استخدامها مرات ومرات وذلك ليتقلص الإنفاق على استيراد مواد تصنيع الأكياس البلاستيكية والورقية.
ولا يقوم الفلاح اليابانى بالتخلص من قش الأرز بالحرق مثلما يفعل نظيره المصري، وذلك لإدراكه حاجة الدولة له وللأرز الذي لا يمكن بيعه في الأسواق لسوء تخزينه مثلا في صناعة أدوات المائدة بدءًا من الأكواب والأطباق إلى الشوك والسكاكين توفيرًا لثمن استيراد مواد بلاستيكية تحتاجها المصانع في إنتاج أداوت المائدة.
وبعد ثلاثة أعوام، فاجأت الحكومة اليابانية الجميع بإعلان نيتها الحد من النفقات باقتطاع 62 مليار يورو من النفقات العامة خلال سنتين، ما يتعارض مع سياسة تحفيز الاقتصاد التي اعتمدها رئيس الوزراء “شينزو آبي”، بهدف تفادى تضخم الدين اليابانى الذي بلغ 245% من إجمالى ناتجها الداخلى عام 2013، بحسب أرقام صندوق النقد الدولى الذي طالب تلك الدولة مرارًا وتكرارًا بتنفيذ “خطة ميزانية متوسطة المدى ذات صدقية” للحد من هذا الدين الهائل حتى لو أن أكثر من 90% منه مترتب لدائنين يابانيين.
وحتى يومنا هذا، يطالب صندوق النقد الدولى اليابان بمضاعفة التحفيز الاقتصادى أو الاعتراف بأن الأمر سوف يستغرق سنوات حتى تبلغ معدلات التضخم نسبة 2%، منوهًا بعد البعثة السنوية لطوكيو العام الجاري، إلى أن رئيس الوزراء “آبى” يحتاج إلى إعادة تطوير برنامجه “أبينوميكس” أو سياساته الاقتصادية لتتماشى مع سياسة رفع الأجور، وفى المقدمة الحوافز النقدية والمالية وذلك بعد فشله في كسر العقلية الانكماشية في اليابان ومعدلات التضخم لا تزال قريبة من الصفر.