الاعتداءات على الأطباء
ما زالت مشكلة الاعتداء على الأطقم الطبية دون حل فلا يمر يوم حتى تطالعنا الصحف بخبر اعتداء من مواطنين على الأطقم الطبية العاملة في مستشفى من المستشفيات العامة في أنحاء الجمهورية.. ولا يدعي أحد أن هذه ظاهرة عالمية وأن هذا يحدث في كل دول العالم فلم ترصد تلك الظاهرة الخطيرة إلا في بعض دول العالم الثالث.. وإذا نظرنا نظرة متعمقة إلى تلك الظاهرة نجد أنها وليدة مثلث أضلاعه الجهل وسوء الخدمة الصحية وغياب القانون ولا أستطيع منع نفسي من الاستغراب وربما الحزن مما أسمعه عن حل تلك المشكلة سواء من بعض المسئولين أو البرلمانيين أو الأطباء أو بعض النقابيين أو المسئولين بتغليظ العقوبات وتمييز الاعتداء على مقدمى الخدمة الصحية وكأن الاعتداء على باقى الموظفين العموميين مسموح أو أن زيادة عقوبة السجن من خمسة أعوام إلى سبعه يمكن أن يُحدِث فارقًا إذا لم يكن هناك قضية أو حكم قضائى من الأساس.
فالنظرة الموضوعية للمشكلة تشير إلى الآلاف من الاعتداءات البدنية على الأطقم الطبية في كل ربوع الوطن سنويًا ناهيك عن الاعتداءات اللفظية التي تفوق الحصر لكن ما يصل منها إلى مرحلة النيابة هو بضع عشرات من الحالات وما يصل منها إلى المحاكمة النهائية أو يحكم فيه بعد شهور وربما سنوات بضع حالات تعد على أصابع اليد الواحدة ولا يعرف كم يتم تنفيذه من تلك الأحكام.
وتطورت المشكلة حتى انتقل العنف إلى داخل المستشفيات التي لم تعد حرمًا آمنًا كما ينبغى لها وإنما أصبحنا نسمع عن استكمال العصابات لصداماتها العنيفة إلى داخل المستشفيات وسعى بعض العائلات للأخذ بالثأر أو القصاص من مرضى أو مصابين داخل المستشفيات بل داخل غرف الرعاية المركزة وداخل غرف العمليات كما حدث في مستشفى المطرية وتم قتل أحد المرضى ممن اقتحوا المستشفى وفى مستشفى الدمرداش من إطلاق نار داخل غرف العمليات من المهاجمين تهديدًا للأطقم الطبية وسعيًا للقصاص من أحد المصابين أثناء إجراء عملية جراحية له.
ثم ظهرت كارثة أخرى وهى اعتداء بعض المنتسبين لجهاز الشرطة على الأطقم الطبية وبلغت الظاهرة ذروتها في قيام تسعة من أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمى في يناير ٢٠١٦، وهى القضية التي أخذت أبعادًا كبيرة وأثارت السخط والغضب العارم لدى جموع الأطباء وكل المنصفين من أبناء الوطن ووقف فيها الإعلاميون منقسمين ما بين السياسة الإعلامية المتبعة من تهوين لأخطاء أي منتسب لبعض مؤسسات الدولة بل محاولة التمجيد وغعطاء حصانة قانونية غير دستورية لها وبين من استجاب للضغط المجتمعى وخاصة بعد تعدد حالات الاعتداء، والتي وصلت إلى القتل في حادثة الدرب الأحمر والتي دقت ناقوس الخطر إلى ما وصل إليه المجتمع وحتى الآن وبعد مضى تسعة أشهر من واقعة مستشفى المطرية التعليمى، فالقضية مازالت متداولة أمام محكمة الاستئناف دون القبض على المعتدين ولو لليلة واحدة.
وبالأمس القريب طلت عليينا ظاهرة أخرى وهى قيام بعض الأطباء من الشباب بالرد على الاعتداءات بمثلها مع دعم من قطاع كبير من الأطباء يرى أن غياب القانون أو بالأحرى التطبيق الانتقائى للقانون الذي ينكل بمن يعبرون عن الرأى بطريقة سلمية طبقا للقانون غير الدستورى المعيب المسمى بقانون تنظيم التظاهر والذي يهدف إلى تجريم التعبير عن الرأى لا إلى تنظيمه والأحكام السريعة التي تصدر في قضايا الرأى والحبس الاحتياطى لشهور وربما سنوات دون محاكمة في الوقت الذي نرى فيه التعامل القانونى السطحى وغير الفعال مع القضايا التي تنخر في صلب المجتمع كقضية الاعتداءات على الأطقم الطبية وتناول مثلث الأسباب الذي ذكرناها بالتحليل في محاولة لرصد جذور المشكلة ومحاولة إيجاد حلول ناجحة لها قابلة للتطبيق لنا حديث آخر في الأسبوع القادم بإذن الله.