الرئيس والأمل الأخير !
في مرتين سابقتين تم رفع الدعم عن الكهرباء والغاز والبنزين.. زادت الفواتير في الأولى والثانية وزادت قيمة الثالثة وجميعها تسببت في رفع الإنفاق الشهري.. ورغم ذلك لم نشتك ولم نتأفف وقلنا إن أغلبها هو ما يتم إنفاقه الآن على برنامج "تكافل وكرامة" وعلى علاج فيروس سي وعلى القرى الفقيرة وعلى الطرق الجديدة وعلى بناء مئات المدارس وعلى تجميل القاهرة وعلى تطوير عربات السكك الحديدية..
كنا نرى أثر ما ندفعه على أبناء شعبنا وهذا حقهم بعد معاناة طويلة كانوا يذهبون للمستشفيات فيطالبوهم بالقطن والشاش بينما أسهم التخطيط العشوائي والفاشل في انهيار التعليم شكلا ومضمونا.. مناهجا ومباني ومؤسسات.. وانسحقت الطبقات الفقيرة، فمات أبناؤها في طوابير الخبز وفي الصراع على أسطوانات البوتاجاز وانحرف الكثيرون منهم أملا في العيش على ومن الحرام.. لكن بدأ الأمل يتجدد خلال العامين الماضيين !
وكثيرون نحن أولهم مستعدون لتحمل المزيد.. من أجل إسعاد هؤلاء.. لكن.. عندما نجد طوال الأشهر الماضية ارتفاعًا في أسعار السلع إلى حد الجحيم ومضاربات مفزعة وتلاعب في سوق العملة فاقم من أزمة الأسعار ثم لهيب في أسعار اللحوم وقبل عيد الأضحى ثم انفجار في أسعار الأدوات المدرسية لا يمكن معه بأي حال أن تجد أسرة لديها أكثر من تلميذ القدرة على التعامل معها وبعدها أزمة في الأرز وبعدها أزمة في السكر ومعها أزمات في اختفاء بعض سلع التموين مثل الزيت ثم قبلها رفع أسعار الكهرباء من جديد وعلي الشرائح الثلاث الأولى وقبلها ارتفاع الـــ 20 % في الأدوية ثم يتراجع الدولار فيحلم الناس بانضباط الأسعار ولكن قبل الليل يفاجأ الجميع برفع أسعار الوقود كله!!
هذا هو التوقيت الخاطئ بعينه لطبقات لا تستطيع أن تحصل على أنفاسها.. ولا نعني بالتوقيت الخاطئ الدعوة للتظاهرات.. وربما هناك استعجال لحصول على أموال قرض النقد الدولي.. لكن هل تـدار ملفات حساسة كتلك بمثل هذا الغموض؟ هل سياسة الصدمات تصلح فيما يخص أكل عيش الناس؟ ثم وهذا هو الأهم: هل تضمن الحكومة ولديها القدرة على ضبط أسعار نقل الأجرة وحدها ؟ هل يعلم رئيس الوزراء أن هناك من الفقراء من يسيرون مسافات طويلة جدًا لتوفير قروش قليلة؟ ووقتهم وصحتهم مخصوم من حياتهم وأهلهم ؟ فما بالكم بسيارات نقل السلع للمحافظات؟ وهذا يرفع الأجرة فذاك يرفع سعر الخدمات فيرفع الأطباء الأجرة والدروس الخصوصية والمقاهي وصالات الأفراح وكله بلا استثناء!
هل تسريب الحكومة الكلام عن إجراءات صعبة قادمة يكفي؟ هل هكذا فهم الناس وتقبلوا الإجراءات؟ هل هكذا يكون التعامل الإعلامي مع الإجراءات المهمة؟ كانت المشكلات مع إعلام الشر على التواصل الاجتماعي والآن تنتقل إلى الشارع ليس بالضرورة بالحركة والتظاهر إنما بالغضب والإحباط وهو ما لم نكن نريده على الإطلاق.. وقلنا مرارًا إن على الدولة أن تمتلك أدوات التعامل مع السوق ومع الجشعين ومع المستغلين لكنها تريد أن تطبق السوق الحرة حتى بخلاف ما هي مطبقة في بلادها !
ورغم إدراكنا صعوبة المرحلة.. وانحسار الخيارات.. يبقى الأمل الأخير في الرئيس.. الأكثر إحساسًا بالناس.. والأكثر صدقًا معهم.. والأكثر إخلاصًا لهم.. في أن يجد حلا للأزمة.. أو مخرجًا منها.. أو تخفيفًا لها !