رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة عاجلة لـ«مرات» محافظ البنك المركزي


اتخذت الحكومة يوم الخميس الأسود 3 نوفمبر 2016 قرارًا عجيبًا، وهو تعويم الجنيه، بمعنى تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية؛ بما يطلق الحرية للبنوك لتحديد سعر الصرف من خلال آليات العرض والطلب، وقد انبرى مجموعة كبيرة من رجال الاقتصاد والسياسيين في توضيح مزايا ذلك القرار، وكأن الحكومة كانت قد أعدت تلك الحملة مسبقًا لتصاحب قرارها الأسود، كما اتخذت الحكومة فجر الجمعة قرارًا أشد سوادًا، وهو رفع أسعر البنزين حيث أرسلت وزارة البترول خطابا رسميا إلى محطات البنزين، بالأسعار الجديدة التي سيتم العمل بها وتضمن الأسعار الجديدة بنزين 80 بـ235 قرشا وبنزين 92 بسعر 350 قرشا، والسولار بــ 235 قرشا، وقالت الوزارة في الخطاب: "أتشرف بالإحاطة أنه قد تم تحديد أسعار بيع المنتجات البترولية اعتبارا من الساعة 12 فجر يوم الجمعة الموافق 4 نوفمبر2016 طبقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2807".


وفي مؤتمره لإعلان التعويم صرح طارق عامر محافظ البنك المركزي، إن الشعب المصري سعيد بقرار تحرير سعر الصرف!! لأنه سيحسن الاقتصاد، لافتًا إلى أن البنك المركزي اتخذ القرار الصائب في الإصلاح الاقتصادي بتحرير سعر الصرف، وأضاف "عامر": "أنا حتى مراتي مبسوطة بالقرار لأنها حتقدر تتصرف في الوديعة بتاعتها".

وأرد على سيادته فأقول: سيادة المحافظ بكل شفافية أحب أن أعلمك –إن كنت لا تعلم– أن الشعب المصري ليس سعيدا على الإطلاق بقراركم الميمون، وسأوضح لكم الأسباب لاحقًا، أما زوجة حضرتك فلا دخل لها بالسياسة النقدية، ومن حقها أن تكون سعيدة مثلها مثل طبقة الأثرياء في هذا الوطن الذي يكرس قراركم لزيادة ثرائها باعتراف سيادتكم، ويزيد من معاناة وفقر الشعب المصري البسيط الذي يكاد هذا القرار أن يقضي عليه، والأيام بيننا.

سيادة المحافظ أنت تعلم قبل أي أحد عواقب ذلك القرار لكن رغبتكم العارمة في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي جعلتكم تتعامون عن حقيقة ما سيحدث من آثار سلبية مدمرة على حياة المصري الفقير والمتوسط كذلك، فبعد القرار مباشرة ارتفعت أسعار البنزين وأنبوبة البوتاجاز أي المحروقات، بذلك اللفظ الذي استخدمه الصندوق وجعله شرطا من شرطين للموافقة على القرض، وكان الشرط الأول هو تعويم الجنيه والشرط الثاني رفع الدعم عن المحروقات، وها أنتم تنصاعون للشرطين، وتجعلون مصر تذعن للصندوق الذي صار يمتلك أرواح المصريين، ويفرض شروطه علينا، وكان في قمة سعادته – مع أعداء مصر المعروفين مثل وائل غنيم وبعض الإخوان وطبعا أمريكا، وكلنا يعلم من يحرك ذلك الصندوق – بهذا القرار لأنه قرار يأتي ليزيد من سخط المصريين الفقراء، ويجعلهم في النهاية غير قادرين على الحياة؛ مما يجعلهم ينفجرون في وجه النظام دون أدنى تعب من الإخوان أو أمريكا التي ما زالت تحلم بتحقيق حلم إسرائيل في تفتيت مصر وتحقيق حلم الشرق الأوسط الجديد.

هذا القرار يا سيادة المحافظ وما تبعه من زيادة المحروقات سيصل بنا نحن الفقراء إلى مرحلة أننا لن نستطيع أن نعيش من الأساس، فقد كنا نعاني معاناة شديدة في الأشهر الماضية من انفلات الأسعار، فما بالك بعد أن أعطيت قرارا يعطي شرعية لهذا الانفلات بصورة غير مسبوقة!

فأنت تضحي بحياة ملايين الفقراء من أجل وهم في ذهنك هو الاستثمار، وقد زينتم الأمر للقيادة السياسية بأن ذلك القرار سيجلب الاستثمار بعد أن نحصل على قرض الصندوق الذي زينتم للقيادة أنه لا مفر منه، لكن الحقيقة أن ذلك القرار خاطئ وليس في وقته مطلقا؛ لأن التجربة العالمية تؤكد أن الدول لم تنهض مطلقًا بسبب أنها اقترضت من الصندوق، بل تثبت التجربة فشل منظومة الاقتراض من الصندوق وتأثيرها فى اقتصاديات الدول، ولم تنهض اليابان أو الصين أو النمور الآسيوية لأنها اقترضت من الصندوق، لكنها نهضت لأنها حققت المعادلة البسيطة جدًا، والتي تعلمونها جيدًا، وهي رفع نسبة الصادرات في مقابل انخفاض نسبة الواردات، وذلك بالعمل الجاد وتشجيع الصناعة المحلية وجودتها، وعدم الاعتماد على الاستيراد السفيه، لكنكم يا سيادة المحافظ تتغافلون عن ذلك لتضعون مصر كلها في مآزق، بأن تجعلوا السبيل الوحيد للنهضة هو قرض الصندوق وبالتالي الإذعان لشرطيه المجحفين اللذين أسعدا أعداء مصر.

سيادة المحافظ لعلك تابعت معنا مبادرة الاتحاد العام للغرف التجارية، قبل قراركم المشئوم بيوم واحد، وهي مقاطعة السوق الموازية للدولار لمدة أسبوعين، وترشيد الاستيراد خلال الثلاثة أشهر المقبلة، وقصره على السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج التي ليس لها رصيد أو التعاقدات غير القابلة للإلغاء، والسلع التي تم شحنها، وقد أتت هذه المبادرة ثمارها خلال ساعات بانخفاض وصل إلى جنيهين في نهاية اليوم، ثم تراجع الدولار حتى صار بـــ 11 جنيها مما أعلن عن بدء انهيار السوق السوداء، فجاء قراركم المشئوم ليقوض دعائم هذه المبادرة، ويرفع سعر الدولار استرشاديا إلى 13 جنيها، ويفتح المجال للاستيراد العشوائي، فلماذا لم تتخذوا قرارات تعزز من هذه المبادرة كأن يقتصر التعامل بالدولار على البنوك فقط مع رفع فائدة الشهادات لتجذب من يتاجر في الدولار ليحوله للجنيه ؟ طبعا هذا لم يحدث لتحقيق حلمكم بقرض الصندوق ووجدتموها فرصة لتحقيق شروط الصندوق.

سيادة المحافظ أبشركم بقرب نهاية الطبقة الوسطى وطبقة الفقراء المصريين لتعيش طبقة الأثرياء – ومنهم زوجتك طبعا – في هناء وسعادة، يستمتعون بودائعهم المهولة على جثث المواطنين الفقراء، ذلك المواطن الذي كانت كل أمنيته أن يؤدي عمرة بخمسة آلاف جنيه يجمعها من قوته فإذا بالعمرة تصير بعد قراركم ثمنها يزيد على 12 ألف جنيه، وكان يحلم بأن يشتري الغذاء بسعر مرتفع فيشتري أقل من احتياجاته فإذا به بعد قراركم الميمون لن يستطيع أن يشتري ما يطعمه ويطعم أولاده، وكان ينتظم في أداء أقساطه على وحدة سكنية حكومية فإذا به لن يستطيع ذلك لأن راتبه سينفق على الطعام الذي لن يكفيه فيتعثر في سداد كل شيء ومنها الكهرباء والمياه إلخ، ولن يستطيع أن يعالج لأن أسعار الدواء ستزيد بما لا يستطيعه، وحتى إن مات لن يستطيع أن يجد أهله ثمن كفنه الذي سيزيد أضعافًا مضاعفة.

سيدتي زوجة المحافظ المركزي: ترفقي بحالنا نحن الفقراء واطلبي من زوجك أن يتراجع عن هذا القرار إن استطاع، أو يؤجله حتى أواخر 2017 عندما تبدأ حقول الغاز في إتيان ثمرها وتحدث حالة من التوازن النسبي في الاقتصاد، واجعليه –سيدتي- يترك حلمه بقرض يدمر مصر ووقتها لن ينفع الندم.
الجريدة الرسمية