محمد محمود يكتب: مركز الحب في القلب أم العقل؟
الحب هو مجموعة من التصرفات الحسنة الطيبة ذات الطابع الجميل مع بعض الانفعالات الوجدانية مثل زيادة عدد ضربات القلب أو إحمرار بالوجه عندما يرى المحب محبوبه، ويقطن الحب أساسًا في المخ ككل ولكن هناك بعض الأجزاء في المخ هي التي يقع فيها الجزء الأكبر من التصرفات والذكريات حيث إن الفص الوجدي من المخ هو لاختزان الذكريات جميعها وكذلك الانفعالات والوجدان سواء بالحب أو بالكرة وترتبط دائمًا الذكريات والمعرفة القديمة بانفعالات والعاطفة والوجدان وكذلك ترتبط بالأشخاص ببعضهم.
فإذا رأيت شخصًا بالشارع لا أعرفه قبل ذلك أي لا يوجد في الفص الوجدي من المخ أي ذاكرة أو معرفة سابقة فقد أمر عليه مرور الكرام لا سلام ولا تحية ولا معرفة أما إذا رأيت شخصًا مسجلا وله ذكرى في الفص الوجدي فعندما أراه سوف أقوم بتحيته لأنني تذكرت أيام المعرفة الأولى أو السابقة أما الفص الأمامي من المخ فهو المسئول عن التفكير والمعرفة والتصرفات وأيضا العقل والرصانة.
ويستقبل المخ أساسًا عن طريق العين التي منها توزع الصور وكل ما نراه إلى فصوص المخ، خاصة الفص الوجدي والفص الأمامي، وذلك طبعا بعد أن تمر قبل ذلك على الفص الخلفي من المخ المسئول عن إدراك وفهم هذه الصور، وعندما ينفعل المخ بما رآه يبعث إشارات مختلفة إلى جميع أجزاء الجسم ولكن بدرجات متفاوتة، فمثلا يرسل إشارات إلى العضلات أو اليد لتحية من يحب وإلي القلب ليزداد نبضه بقوه أو إلى الأوعية الدموية بالوجه ليقول لها إن هذا هو المحبوب، وعندما أرى المحبوب يمكنني ألا أمد يدي للتسليم عليه ولكن لا يمكنني أن أقلل من نبضات قلبي وهذا ما يستخدم في أجهزة الكشف عن الكذب أو الكشف عن الحقائق بأن تعرض أمام المتهم بعض الصور أو الذكريات أو الكلام الذي حدث أثناء الواقعة فقد ينكر المتهم الواقعة المنسوبة إليه؛ ولكن زيادة نبضات قلبه وارتفاع ضغط دمه يفشي السر لأن المخ يرسل الإشارات إلى بعض الأعضاء مثل القلب دون مشورة الفص الأمامي للمخ الذي يسيطر على تصرفاتنا.
وعندما نصف أن هذا الشخص عاقل لا يبدو عليه مظاهر الحب فمعناه أن الفص الأمامي للمخ يسيطر على كل الإشارات الصادرة من المخ إلى الجسد عدا القلب مما سبق نجد أن القلب ليس له علاقة بالحب كما يدعى العامة ولكنه مظهر وأداة من المظاهر والأدوات التي يستخدمها المخ لإظهار الحب في الجسم وقد يقول العامة إن العين والأذن تعشق قبل القلب أحيانًا، وهذا به جزء من الحقيقة فإن المخ الذي به موطن الحب يستقبل الإشارات الصوتية والمرئية عن طريق الأذن أو العين ثم ينفعل به المخ ثم يظهر تأثيرها على القلب أي أن العين هي المستقبل قبل القلب ولكن العين لا تحب ولكن المخ هو الذي يحب والحب باللغة العلمية النفسية (السيكولوجية) هو انعكاس شرطي أي يتولد الحب بين شخصين إذا أحسن أحد الشخصين المعاملة وتقرب بلطف ومودة إلى الآخر بصفة مستمرة.
بدليل أن أجدادنا وآباءنا القدماء أحبوا زوجاتهم بعد الزواج بالعشرة نتيجة المعاملة والمودة المستمرة وقد ينهار الحب أيضًا بالانعكاس الشرطي أي أنه إذا أساء المعاملة بطريقة جافة مستمرة يتهدم هذا الحب الكبير والدليل على ذلك أن كثيرًا من المتزوجين الذين كانوا يحبون بعضهم حبًا أشبه بحب العبادة يفترقون وينفصلون أحيانا.
الحب لم يجد ما يغذيه من المودة والمعاملة الطيبة المستمرة يقول الناس في الأمثال: إن القلب ينظر إلى الحب على أنه بطولة أما العقل الذي هو (تصرفات المخ) فينظر إلى الحب على أنه بطالة فهذا قمة التطرف والمبالغة في التفكير؛ لأن العقل خاصة الفص الأمامي من المخ الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في الإنسان يميزه عن الحيوان وهو مركز الضمير مركز الرصانة أي هو الذي يجعل الإنسان ذا عزيمة قوية واجتهاد ويمنعه عن الرذائل وإذا تطرف كثيرًا قد يحرم عليه الحب ويجعله بطالة لأنه ينظر إليه من منظور أنه يشغله عن تأدية أعماله ويضيع وقته ويجعله منبهرًا لا يفكر إلا في محبوبته ليلا ونهارا ويترك حياته وعمله كما يحدث لبعض المراهقين أما نظرة القلب استجابة فورية ونبض واضطراب بسبب هذا الحب المتمركز في المخ دون أن يأخذ أذنا من الفص الأمامي من المخ المسيطر المتكبر المتغطرس على هذا الحب؛ ولذا كان الاعتدال والوسطية في الحب والتصرفات هو أسمى معاني الوجود.