رئيس التحرير
عصام كامل

لبنان بقبضة «حزب الله» وإيران


حين زار وزير الخارجية سامح شكري لبنان في أغسطس الماضي، لم يحرص رؤساء جميع الأحزاب على لقائه، وبرر أحد النواب المسيحيين ذلك بقوله: "لا نعول كثيرًا على دور مصر في الاستحقاق الرئاسي؛ لأن نفوذها تقلص في المنطقة منذ سنوات"..


تذكرت هذه العبارة عندما كان الرئيس الإيراني حسن روحاني أول المهنئين بانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للبنان، وعلى إثره صرح على أكبر ولايتي مستشار خامنئي بأن "انتخاب عون انتصارٌ كبير لحزب الله وإيران"، واعتبر أن "عون سيجعل لبنان حلقة مهمة للغاية في سلسلة المقاومة التي تقودها إيران وتضم سورية والعراق واليمن وفلسطين"، واختتم مستشار خامنئي بتهنئة "نصرالله لأنه تعهد بإيصال عون للرئاسة ونجح رغم الضغوط الداخلية والخارجية"، ولم تمر سوى سويعات حتى تلقى عون التهنئة من الرئيس بشار الأسد وأمين عام "حزب الله" حسن نصرالله.

يعرف أي متابع للساحة اللبنانية أن نصرالله تبنى منذ عامين ونصف العام ترشيح عون للرئاسة رغم معارضة جميع الأحزاب والطوائف لأسباب سياسية وتاريخية ولتحالفه مع "حزب الله" وسورية وبالتالي إيران، لكن نصرالله قالها إما عون أو الفراغ الرئاسي، ونجح بدعم إيراني في إحباط محاولات التسوية لفرض إرادته على الجميع رغما عنهم.

خص ولايتي "حزب الله" بالفضل في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي الممتدة عامين ونصف العام، ونسى تضحيات زعماء التيارات والأحزاب الأقوى في الشارع اللبناني الذين غلبوا الصالح العام ولولاهم ما انتهى الأمر.

تردد أن حسم ملف الرئاسة تم باتفاق بين إيران وأمريكا، لكن حتى لو صح ذلك فإن الظاهر للعيان أن الحسم جاء بمبادرة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي يتقاسم الزعامة المسيحية مع عون، حين تبنى ترشيح عون لرئاسة الجمهورية وعودة سعد الحريري لرئاسة الوزراء، وتحمل تلك المبادرة "تضحية" كبيرة من جعجع نظرا للخصومة القديمة مع الجنرال عون بسبب الحرب التي خاضها عون عندما كان قائدًا للجيش ورئيسًا للحكومة ضد ميليشيا "القوات اللبنانية" المسيحية خلال الحرب الأهلية نهاية الثمانينات، ثم أن جعجع على عداء مع "حزب الله" وعندما يدعم ترشيح عون فهذا يعني أنه يضحي أيضًا.

نأتي إلى حجر الزاوية في إنهاء الشغور الرئاسي، ممثلا بالرئيس سعد الحريري زعيم "تيار المستقبل" والكتلة السنية في لبنان، سعى الحريري مرات عدة لطرح بدائل كانت تصطدم دائمًا برفض "حزب الله" وحليفه عون، لأن المبادرات تأتي بدعم السعودية التي يحمل الحريري وأسرته جنسيتها، لكن عندما رفعت السعودية يدها أخيرًا عن الملف اللبناني، لانشغالها بالحرب في اليمن ومعاناتها من أزمة مالية تجعلها غير قادرة على تحمل ما يحتاجه لبنان، وجد الحريري نفسه بلا غطاء مالي أو سياسي، خصوصًا أنه خسر معظم ثروته في تمويل ثورة لبنان بعد اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005، من هنا أقدم سعد على ما سماه "المخاطرة الكبرى"، بالموافقة على مبادرة حليفه جعجع بتأييد عون لرئاسة الجمهورية وهو مرشح "حزب الله" وسورية وإيران، علمًا بأن الحريري يتهم "حزب الله" وسوريا باغتيال والده.

لكن "مخاطرة" سعد من أجل إنقاذ لبنان ستعيده مجددًا ضمن صفقة سياسية إلى رئاسة الوزراء حتى يتمكن من ترتيب أوضاعه المالية المتدهورة واستعادة مشروعه السياسي الذي تهاوى لغيابه الطويل في الخارج، فضلا عن إدراكه تبدل موازين القوى الدولية والإقليمية.. لكنه مع هذا أعلنها صريحة بأنه لن يزور سورية خلال توليه رئاسة الوزراء.

بعد "تضحيات" جعجع والحريري، اضطر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" لتأييد ترشيح عون رغم التحفظات حتى لا يقف عثرة في وجه التوافق، وبهذا ضمن عون تصويت أغلبية مجلس النواب وإن لجأت المعارضة إلى الأوراق البيضاء وألاعيب أفقدت جلسة انتخاب الرئيس "الهيبة" وأعيد التصويت أربع مرات لانتخاب عون.

حال الشارع لم يختلف عن البرلمان، حيث تصدر هاشتاج "الاثنين الأسود" لبنان رفضًا لتولي عون الرئاسة، واستعاد الشعب تقلب مواقف عون بين الحرب ضد سورية نهاية الثمانينيات ثم تحوله إلى حليف لها بعد عودته من المنفى، وهناك من انتقد تقدمه في العمر، وتساءل كيف يدير الحكم وهو في منتصف الثمانينيات وغيرها الكثير؟! لكن يبقى السؤال الذي يشغل الجميع هل يترك عون لبنان في قبضة "حزب الله" وإيران وتحت النفوذ السوري، أم يكشر عن أنيابه ويكشف عن قوته كجنرال جيش سابق ويستقل بقراره وسياسة بلده؟!
الجريدة الرسمية