رئيس التحرير
عصام كامل

السيول.. الحكومة والعلاج بالمسكنات!


لا يختلف أحد على أن السيول ظاهرة طبيعية، ولا يختلف أحد على أن التنبؤ بحجم السيول وقوتها من الأمور الصعبة، وإن لم تكن مستحيلة حسب تقدم وسائل التنبؤ والقياس، وأيضا لا أحد يختلف على أننا نتعرض لهذه السيول كل عام في هذا الوقت، وأن لدينا خريطة واضحة بالأماكن التي تتعرض للسيول، ومعرفة بكل القرى والنجوع والمدن التي تتأثر بالسيول بشكل مباشر، وفوق كل ذلك لدينا تنبؤات الأرصاد التي تخبرنا قبل هطول السيول بوقت كاف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لو كنا على أهبة الاستعداد لهذه المواجهة!


المشكلة أن حكومتنا ومسئولينا لا يجيدون أحيانا غير التحرك قبل الأزمة بربع ساعة، وغالبا يتحركون بعد وقوع الكارثة وهم في حالة تخبط وعشوائية، ولا يصدر عنهم غير تصريحات مثل: نبذل أقصى الجهود رغم إمكاناتنا المتواضعة، وتصريحات من عينة حصر الخسائر للمتضررين وإعداد كشوف التعويض الهزيلة، وجبر خواطر أهالي المتوفين والمصابين ببضعة آلاف من الجنيهات.. وبهذا تكون الحكومة قامت بالواجب وعملت ما عليها، وتنتهي القصة ويتم جمع هذه القرارات والأوراق والتعليمات في ملفات يحزمها موظف المحليات بالدوبارة ويدسها في أرشيف القرية أو المدينة فربما يحتاج بياناتها مع السيول القادمة في العام التالي!

هذه غالبا خطة الحكومة ومسئوليها دون أي تجن عليها أو إهدار لجهدها.. المأساة تتكرر كل عام، ولو رجعنا لمثل هذا الوقت من العام الماضي لقرأنا ما شاهدناه أمس ونشاهده اليوم وغدا ولكن بدرجة أكبر وأصعب !

شهر رمضان لا يأتي قبل شعبان أو رجب، وعيد الفطر لا يأتي إلا بعد رمضان، وعيد الأضحى يأتي دائما في العاشر من ذي الحجة، مناسبات وأعياد دينية لا تتغير ولا تتبدل، ومع ذلك تأتي في كل عام ومعها صخب وحيرة وأزمات خاصة بها، ولا تتعلم الحكومات الدرس ويستوعب المسئولون مسئولياتهم فيعدون العدة لذلك دون توتر ولهاث !

الحكومة تعرف والمسئولون يعرفون مواعيد السيول، وكان باستمرار أمامهم العام كله، وأمامهم الوقت الكافي للإعداد لها لتقليل المخاطر التي تنتج عنها.. أمامهم الوقت لتطهير مخرات السيول، والوقت لتطويرها لتعظيم الاستفادة منها، والوقت لتنفيذ تصورات الاستفادة من المياه الصالحة للري والزراعة منها، والوقت لتأهيل الطرق التي تعترض مخرات السيول، والوقت لرفع كفاءة بيوت سكان هذه المناطق، والوقت لمراقبة البناء العشوائي في طريق السيول، والوقت لبناء مجموعة من السدود لتوجيه مياه السيول إلى مجري النيل أو تخزينها للاستفادة منها ونحن في حاجة للمياه في الزراعة، والوقت لتحويل المحنة إلى منحة في كل الحالات.

لكن اللجوء إلى الحلول السهلة -رغم ألم النتائج- أمر لا تريد الحكومة التخلي عنها، والحلول السهلة والعاجلة تظهر الحكومة وكأنها تتفاعل مع الكارثة بإيجابية.. الحصر والتعويضات والأموال وإعادة تأهيل البيوت المتضررة وتعويضات الزراعات والمواشي والأثاث تستطيع الحكومة تدبير الأموال اللازمة لها في حينه ولا أحد يعلم من أي بند تم تدبير هذه الأموال؟ من الصحة أو التعليم أو من أي خدمة من الخدمات الأساسية للمواطن !

اعتماد المائة مليون جنيه لمواجهة نتائج السيول كان يمكن صرفها لنفس الهدف لكن في تنمية مستدامة للمناطق التي تتعرض للسيول كل عام.. بحيث تكون مخاطر السيول في أقل صورها على البشر والحجر وشكل الحياة في هذه المناطق.. جبر خواطر المتضررين ليس بالبطاطين أو كراتين الغذاء رغم أهميتهم لكن بتوفير الشعور بالأمن من خطر السيول والقدرة على تجنب أضرارها البالغة.

أهم ما ينقصنا في هذا الوطن هو التفكير المستقبلي أو الإستراتيجي.. هو مواجهة المرض وليس الاكتفاء بعلاج العَرض مع الأخذ في الاعتبار أن علاج المرض يحتاج الوقت الكافي، وتلك قضية أخرى تحتاج إلى فهم واستيعاب وتوضيح وشفافية تقع على عاتق المجتمع كله، تحية واجبة لقواتنا المسلحة التي تهب لنجدة شعبها دائما ودون استدعاء.

الجريدة الرسمية