مؤتمر الشباب.. الخطايا والآمال
دعك من ثلاجة الرئيس، وركز فيما قدمه مؤتمر الشباب الذي عقد بمدينة السلام، لا تنهمك فيما أدمنه الرئيس من ارتجال حذرناه منه، وامعن النظر فيما يمكن أن نكون قد ابتنيناه في هذا الحدث، الذي أراه الأكثر أهمية على مدى العام الجارى؛ فقد تحقق بعقد المؤتمر أربعة أهداف، قبل أن ننتظر آليات المتابعة للتوصيات: أولها إصرارنا على إعادة الحياة لشرم الشيخ المرهقة، بسبب غياب السياحة عنها، وثانيها أننا أخرجنا أول دفعة من شباب أكاد أراهم في عين المسئولية الوطنية خلال أعوام قليلة، وثالثها أن الشباب اعتلى المنصات، بينما التزم غيرهم مقاعد المتابعين، ورابعها أن الشباب انتزعوا بعض حقوقهم، وأعادوا مرة أخرى جزءًا من قواعد اللعبة السياسية إليهم.
لا تتوقف كثيرًا عند محطات التواصل الاجتماعى التي أرهقت الناس في ثلاجة الرئيس، وشباب الكوسة، وفشخرة الإنفاق المزعومة، وركز فيما يمكن أن تصل إليه الصورة الزاهية التي التقطت لشباب مصريين اعتلوا منصات المحاكاة، وقاموا بأدوار الوزراء، ووضعوا أنفسهم في مواقع القيادة، وناقشوا واتفقوا واختلفوا في صورة مبهرة على قضايا مصر، منهم من اعتلى موجة المعارضة، ومنهم من تحمل دور المسئول في واقع مرير يفرض عليه أن يعي ما يقول قبل أن يمارس دور المعارض.
بدعوة من وزارة الشباب والرياضة، كنت ضمن مجموعة من الرفاق نتابع عن كثب وقائع مؤتمر نظن أنه أمل جديد ولد على أرض ظلت لسنوات تعاني التصحر الشبابي، بفعل أجيال رفضت أن تكون وعاءً لاحتضان أجيال أخرى، فكانت النتيجة فجـــوة كبيرة بين ملاك مصر من الشباب وحكامها، والمتحكمين فيها من الجيل الذي يكاد يوصد خلفه باب الحياة.
محمد شاب من إحدى قرى المنوفية يقول: قدمت كل المعلومات المطلوبة على الموقع الإلكتروني لبرنامج الرئاسة، كنت على يقين أنني خارج نطاق الاختيار، إذ أنني واحد من بسطاء القوم لا سند لي ولا ظهر، فاجأنى أصدقائي بأن اسمى ضمن المرشحين، سعدت بما درسناه، تعلمت كثيرًا، أيقنت أنه يمكنني كشاب عادى لست ابن لواء أو مدير أن أجد مكانًا تحت الشمس.
منى من الغربية تقول: تقدمت بكل المستندات المطلوبة وإحساس يراودنى بأنني سأكون ضمن الدفعة الأولى، وعندما أعلنت الأسماء كان استعدادي النفسي للدراسة والمناقشة أكبر من زملاء لى، وأعترف أننى طوال فترة الإعداد وجدت منافسة شرسة بين زملاء وزميلات، بعضهم تفوق عليَّ، وتفوقت على آخرين، غير أننا في النهاية حصلنا على فرصة نتمنى أن تتاح لغيرنا من الشباب المستحقين.
محمود من الدقهلية يقول: كنت أعبث مع رفاق لى، وعلى سبيل الدعابة، تقدمت مثل غيرى، وذلك كله تحت شعار "اعقلها وتوكل" والحق أقول لم يخطر على بالى أن أجد اسمى بين المرشحين، وعندما حدث ذلك شعرت أنني كسرت حظى النحس، وكنت متصورًا أننا سندرس بعض المناهج، وكأننا في مدرسة إلا أن الحاصل أعمق بكثير من تصوراتى عن الموضوع، احتكاك، تدريب، اكتساب مهارات، ثقة في النفس، قدرة على تحمل المسئولية، فرصة أتمناها لكل أبناء جيلى.
هذه بعض نماذج تختلف عن هؤلاء الشباب الذين شاركوا من بوابة الأحزاب السياسية، والذين قدموا نماذج مبهرة لأحزاب يتهمها البعض بالتقوقع داخل المقــار، دون أن يرى فيها هذا الأمل، حيث كانت مشاركتهم أكثر عمقًا وتأثيرًا وقدرة على التعبير وإدراكًا لحجم التحديات.. كانوا أكثر احترافية من غيرهم.
صحيح غابت أسماء كثيرة توقع البعض مشاركتها، وشاركت أسماء توقع البعض غيابها إلا أن ذلك كله لا يهم فالأهم أننا أصبحنا أمام محطة للحوار المتجانس والعملى لقطاعات شبابية، آن الأوان أن تتحمل مسئولياتها، وتجد أمامها الطريق معبدًا، وتجد نفسها وقد اكتسبت من المهارات ما يؤهلها للقيام بمسئولياتها تجاه وطنها.
وصحيح أن التنظيم كان عبثيًا وفوضويًا، وغير ملتزم بمواعيد ولا قاعات وربما ضيوف، وصحيح أيضًا أن توزيع الأدوار في إدارة الندوات والمشاركة فيها عابها ميل إلى شخصيات بعينها، وتغييب شخصيات أخرى، وصحيح بدا للوهلة الأولى أن قطاعات كبيرة من الشباب تم حشو رءوسها بمادة سطحية وساذجة عن الإعلام، وصحيح ظهر للعيان أن الدولة تخوض حربًا ضد الإعلام دون أن تتدارس خطورة هذا الأمر على وجودها، ووجود النظام، إلا أن كل هذا لا ينفى أننى شعرت بفخر، وامتلأت قناعة بأن هذا المؤتمر هو أهم حدث مصرى خلال العام الحالى.
وحلا لكل خطايا المؤتمر الوطنى الأول؛ فإنني أتصور أن توسيع دائرة المشاركة يسرع الخطى نحو تحقيق الأهداف، وذلك بأن نقوم بتخريج أكثر من 30 ألف شاب سنويًا من هذا البرنامج، فلدينا 27 جامعة حكومية، و8 جامعات أهلية، و20 جامعة خاصة، و12 أكاديمية، وأتصور أننا يمكننا توسيع دائرة المشاركة الشبابية، ليمتد البرنامج الرئاسى إلى كل محافظات مصر، وذلك بمنهج موحد ودراسة تستطيع أن تقوم بها الجامعات.
لو تم اختيار 100 شاب من كل محافظة، حصلوا على دورة التأهيل للقيادة، سننتج أكثر من 30 ألف شاب سنويًا، مع إتاحة الفرصة لعدد الأكبر، والجامعات المصرية لديها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على القيام بهذه المسئولية، وبنفس المعايير التي تم بناءً عليها اختيار الدفعة الأولى.
في نوفمبر من كل عام يعقد المؤتمر في كل محافظات مصر، وبذات العنوان ونفس البرنامج، بحيث تتحول مصر كلها إلى ورش شبابية، تناقش قضايا قومية، وأخرى ترتبط بالأقاليم لربط الشباب ببيئته، ودفعه للتعرف على مشكلات وطنه، ومحافظته، وربما قريته، ويكون مؤتمر شرم الشيخ هو المركزى والمعبر عن كل مؤتمرات المحافظات المختلفة، هذه الأرقام التي حققناها في عام نستطيع تحقيق أضعافها بمشاركة أوائل الجامعات، وشباب الأحزاب، والشباب الذين تختارهم وزارة الشباب والرياضة في المحافظات.
هذا الحل سيؤدي إلى خلق حالة حوار شبابي على مستوى الجمهورية، ويتيح المجال واسعًا لشباب أكثر، ويقضى على فكرة الكوسة والانتقاء الاجتماعى، ويسمح لأعداد كبيرة من شبابنا بالمشاركة، ومن ثم تخريج قادة رأي، وقادة سياسيين، ورجال دولة، وقادة للمستقبل يغطون تلك الفجوة بين الأجيال الحاكمة والأجيال المهمشة التي لا تجد لنفسها موضع قدم في إدارة بلادها.