رقابة «شعبوية» من المقاهي!

بعد يناير2011، لم نسقط النظام فقط، إنما وقعنا في فخ إسقاط "المرجعية".. أو"التخصصية". سقوط المرجعية، أو"التخصصية" كان في معناه الآخر سقوط "النموذج" أو "الكبير".

نحن مجتمعات عاشت على "المقدس". فكرة "المقّدس" أو"المبجّل" أو"المرجع الاجتماعى" أو"الكبير" فكرة تراثية في المجتمعات الشرقية. المثل في بلادنا، وهو بالمناسبة دلالة على شكل التفكير الجمعي: "اللى ما لوش كبير يشتريله كبير".

بحسب تكوين أو بنية مجتمعاتنا، لا يمكن "نزع المقدس" من تراثنا، ولا من الحيز الاجتماعى الجغرافي. مثلا لا تستقيم الأحوال في القرية المصرية بلا "عمدة" أو "عائلة كبيرة" في زمام أو نطاق جغرافى معين.

في القبيلة، مازالت قصص تروى للأجيال الجديدة، عن قداسة الأجداد.. وكراماتهم. في تراثنا الدينى، لم نتمكن للآن من نزع "المقدس" في الرواية.. وفى العبادة.

في علم الاجتماع يسمونا "حضارات طوطمية". والطوطم هو تمثال أقدم جد للقبيلة، تميل القبيلة إلى عبادته، مع مرور الزمن، وتلصق به كثيرا من الصفات والقدرات الخارقة التي تتحول، مع الزمن أيضا إلى مسلمات.

أخطر ما أصابنا، بعد يناير 2011، إننا لم نسقط النظام السياسي، إنما أسقطنا مفهوم "الكبير"، أو "العمدة، أو المقدس، الأمر الذي أفسح مزيدا من التفكير الشعبوى للمجتمع.

من وقتها، والشارع لا يجد أية معضلة في ممارسة "رقابة شعبية" من على المقاهى، على قرارات النائب العام، أو اعلى سلطة قضائية مثلا. ومن على المقاهى، كان للشارع قدرة على تقييم احكام القضاء، وتكسير قاعات المحاكم تشكيكا في ذمة القضاة.

من وقتها، وليس لدى رجل الشارع، أية مشكلة في أن يجد لدى نفسه القدرة، من على المقاهى أيضا، في تقييم قرارات الساسة، سلبا وإيجابا، مع أن الصورة، من على المقاهى لم تكن كاملة.. ولا من كان على المقاهى، لديه القدرة على عقلنة الأحداث، أو فهمها.

وكان أن وضع الشارع، بعد يناير نفسه محل الطبيب، ومحل المهندس.. ووضع رجل الشارع نفسه محل خبراء البترول، وكان لديه القدرة على رفض وجهات نظر رجال الاقتصاد، نتيجة لتصوراته عن فهمه في" الاقتصاد" أكثر من رجال الاقتصاد.

بعد يناير 2011، تحولت نظريتنا في الديمقراطية إلى نظرية عامة في "الشعبوية"، دخل على إثرها ما سمى وقتها بـ"شباب الثورة" يطالبون بمشاركة في الحكم، ومساحة لدراسة قرارات الدولة، وفرصة للتعقيب بالرأى على قرارات الدولة، وسمحت "الشعبوية" لمن يمثلون الدولة بالامتثال لتك المطالبات.. مع أن نصف "شباب الثورة" كانوا ممن يبحثون عن عمل، وبعضهم كانوا طلابا فاشلون في المرحلة الجامعية.
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan