فن النفاق الرئاسي
كما نحن في حاجة ضرورية لضبط إيقاع الأسواق والسيطرة على الارتفاع الجنونى في أسعار السلع فنحن في حاجة ملحة أيضًا لإجراء الكثير من الدراسات والأبحاث من جانب مراكز البحوث الاجتماعية حول التحولات الكثيرة التي حدثت في الشخصية المصرية خلال السنوات الأخيرة وتحديدًا بعد ثورة 25 يناير، وأن تجيب مراكز الأبحاث عن أسئلة كثيرة منها لماذا أصبح هناك قطاع كبير من المصريين يميلون إلى التفاهة؟
ولابد أيضًا من البحث عن سر لماذا أصبح الجميع يفهم في كل شيء وأى شيء؟ مع أن واقع التعليم يقول عكس هذا وأن هناك بعض الطلاب يلتحقون بالجامعات ولا يجيدون الكتابة حتى بمن فيهم وزير التربية والتعليم نفسه أيضًا واقع الثقافة لا يقل بؤسًا عن التعليم، فنصيب المواطن في النشاط الثقافى لا يتجاوز 30 قرشًا في العام ونتيجة لهذا فمواقع التواصل الاجتماعى هي صاحبة السيادة على كثير من المواطنين و"السوشيال ميديا" أقرب للمواطنين من عقولهم وأن ما يأتى ذكره على "فيس بوك" لا يجب إنكاره وأن الصورة التي يتم نشرها يجب تصديقها دون تردد، وأن الفيديوهات التي يتم بثها ترتقى لدرجة اليقين.
كما لابد من دراسة نسبة خفة الدم التي أصابت الكثير من المصريين من رواد مواقع التواصل الاجتماعى حتى أصبحوا «سكر مكرر» وأصبح إنتاجنا من خفة الدم يتفوق على إنتاجنا من البيض.. الشيء الوحيد الذي حققنا فيه الاكتفاء الذاتى وأصبح لدينا آلاف من موهبة عادل إمام وعشرات الآلاف من نجوم الكوميديا في انتظار الفرصة على يد المنتج أحمد السبكى.
أيضًا لابد من البحث والتحرى لماذا لم تعد المصلحة الوطنية تتصدر اهتمامات المواطنين، ولماذا أصبح هناك إصرار على تشويه أي حدث مهم.. ولماذا هناك رغبة ملحة في إهالة التراب على أي رؤية تقول إنه ما زال هناك أمل؟ حيث تركنا كل ما حدث من إيجابيات خلال المؤتمر الوطنى للشباب وتجاهلنا الحوارات الممتدة التي أجراها الرئيس وسط الشباب وشاهدنا لأول مرة شاب وفتاة يجلسان بجوار الرئيس..
والرسالة التي أراد الرئيس أن يقولها لجميع الشباب أنا معكم، أحتاج أفكاركم، لن نتقدم بدونكم، لم نأخذ من المؤتمر سوى ثلاجة الرئيس التي لم يكن فيها غير الماء على مدى 10 سنوات.. ولم يكد الرئيس ينتهى من كلامه حتى وجدنا سيناريوهات جاهزة للتمثيل.. وانفتحت بالوعة كوميدية هابطة لم تنته حتى اليوم، وإذا كنــا شاهدنا في المؤتمر شبابًا يفتحون ذراعهم للمستقبل فقد شاهدنا أيضًا تأسيسًا جديدًا لفن النفاق بقيادة النائب مصطفى الجندى، الذي نافس فيه أعضاء الاتحاد الاشتراكى في الستينيات والحزب الوطنى، فدعوات السيدة والدته التي كان يصلى بجوارها في الحرم لن تغير في مستقبل الوطن شيئًا ولن تجعلنا أكثر إيمانًا بالسيسي أو أكثر تمسكًا به..
ولكن دعوات الست الوالدة كشفت لنا أن الخطر الحقيقى على هذا الوطن وعلى الرئيس من أمثال ابنها الذين يدعون لدين جديد في فن النفاق الرئاسى.
الرئيس عبدالفتاح السيسي يحتاج مساندة صادقة من الكثير ويحتاج أكثر للتقدير منا للدور الذي يقوم به في الكثير من الملفات، فهذا الرجل يحب مصر أكثر منا جميعًا، وليس على طريقة مصطفى الجندى.