ترمومتر الثورية من «العقاد» لـ«مكرم محمد أحمد»
لست من هؤلاء الذين يصنفون الناس طبقًا لـ«ترمومتر الثورية» فإذا علا سهم ثورية رجل تقبلت كل آرائه، وإذا اتضح ميله نحو السلطة كان ذلك سببًا كافيًا لأن أرفض كل ما يأتي منه، بالنسبة لي تلك قسمة ضيزى !
هناك حكمة أرددها دومًا ولا أتخلى عنها «خذ من المبدع إبداعه واترك آراءه»، والإبداع عندي ليس مقتصرًا على الفنانين أو الشعراء والأدباء، الأمر أعمـــق من ذلك، فكل من يجيد شيئًا ويستطيع أن يحفر اسمه فيه هو مبدع بشكل أو بآخر، وفي العالم العربي عمومًا لا يرتبط الإبداع بالمنصب، هناك الكثيــرون ممن حصلوا على مناصب ولم يجيدوا شيئًا، وهناك من حصل على منصب وكان مبدعًا فتركت منصبه وأخذت إبداعه !
في نقاش يجلس فيه الرئيس وعدد من كبار الصحفيين أمسك الأستاذ مكرم محمد أحمد الميكرفون وقال في كلمات قصيرة موجزة إن وظيفة الصحفي ألا يكون زعيمًا سياسيًا، وأن المهنية والاحترافية هي من تتحكم في العمل الإعلامي وأشياء أخرى حددت بشكل كبير مشكلة الإعلام في الوقت الحالي أبرزها إعلام الجن والعفاريت، الكلام بدا موضحًا بشكل كبير للكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، ليس ذلك ما يشغلني، إلى من تم توجيه الكلمات، لكن في الكلمات في حد ذاتها، في الحروف التي امتزجت بخبـــرة أكثر من نصف قرن، من رجل عمل في أروقة أعتى المؤسسات الصحفية ورأى بعينيه ما لم يره الكثير.
بالنسبة للأستاذ «مكرم» والذي يعد في نظري آخر الجيل الثاني من الصحفيين بعد الجيل الأول الذي مثله «هيكل» و«مصطفى أمين» و«أحمد أبو الفتوح» في تاريخ الصحافة الحديث، فإنه أحد الذين أطبق عليهم قاعدة «خذ من المبدع إبداعه واترك آراءه»، لا أخضعه هنا لأي «ترمومتر» سوى المقالات التي أقرأها، تحليلاته عما يحدث في إيران والوطن العربي، هو يملك قلمًا ساحرًا، كلمات رشيقة ورؤية واضحة متسلسلة من بداية المقال لآخره، أتعلم منه نحت الكلمات وحياكة الحروف الواحدة تلو الأخرى، لا أبالي بأي شيء سوى أن من أقرأ له هو الأستاذ مكرم محمد أحمد، الكاتب الصحفي فقط.
كلمات نقيب الصحفيين الأسبق والتي انفعل معها عدد كبير من الصحفيين المؤيدين ما قاله واجهها رأي مختلف، كيف يمكن تأييد ما يقال، الذين قاسوه على «ترمومتر» الثورية كرهوا ما قاله وهاجموه، أما أنا فأيدته وهو ما دفعني للسؤال لماذا اتخذت ذلك الموقف.
تلك الإشكالية ليست جديدة، هناك من يكره «العقاد» لأنه متكبر ولديه عقدة من المرأة –رفض العمل في روز اليوسف لأن صاحبتها سيدة– وأخيرًا هو كاتب للملك فاروق، البعض يمقت محمود درويش لأنه كان قياديًا في حركة «فتح» التي وقعت على اتفاقية «أوسلو»، الحال ذاته تكرر مع نزار قباني وإن كان معارضوه يكرهونه نتيجة اتهامات للشاعر السوري بالإلحاد.
القائمة طويلة ولا تتسع لمقال أو حتى صحيفة، لكن من يتعامل مع أي مبدع بتلك الطريقة في الحقيقة لن يتمتع بالإبداع الحقيقي الذي هو بعيدًا عن أي تصنيفات «سياسية – دينية»، فآخر من جمع الحسنين كان أمل دنقل الذي مات وحيدًا وفقيرًا في تجربة لا يريد الكثيرون الإقدام عليها.