كلام في «الشعبوية» !
آفة مجتمعاتنا "الشعبوية".. ما معنى الشعبوية؟ أو ما المقصود هنا؟
الشعبوية، هي الاعتقاد الجمعى الذي يسيطر في بلد ما، في فترة ما، وفى ظروف ما، أن الشارع قادر على فعل أي شىء، وكل شىء في الطريق للأفضل.. في السياسة، وفى الاقتصاد، وفى الاجتماع، حتى لو لم يكن الشارع مؤهلا، ولا قادرًا.. ولا لديه تصورات حقيقية وعملية.
تنفجر "الشعبوية"، ويتحول الشارع إلى "الشعبوية" في ظروف الفوضى الاجتماعية، وفى عصور التغيرات الشديدة.
السنوات الستة الأخيرة انفجرت الشعبوية في وجوههنا في الطريق لدولة جديدة.. طلبها البعض ديمقراطية، وسماها آخرون "جمهورية ثالثة"، الحكم فيها للفرد، مشاركًا، ومخططًا.. نعتمد فيها على الشباب، ونمنح مزيدًا من الفرص لصغار السن، لمجرد أنهم صغار سن.. ليس لأنهم مؤهلون.
بدت شعبوية الشارع المصرى بوضوح في طموحه في الحريات بشكل عام، مع كثير من المراهقة والمثالية الفكرية.. أول ملامح "الشعبوية"، بعد يناير، اعتقاد الشارع، مثلا، أنه ما أن يسقط النظــام الليلة حتى تدخل البلاد عصورًا من الديمقراطية صباحًا.
في نفس الوقت، لم يكن لدى الشارع تخيلات واضحة، عن معانى الديمقراطية.. ولا كيف تتحقق؟ لم يكن هناك مفاهيم حقيقية لدى الشارع، مثلا، عن اختلاف الديمقراطيات، باختلاف الشعوب.. واختلاف موازين القوى في المجتمعات.
من ملامح "الشعوبية"، أنه ظهر، بعد يناير 2011، أنه حتى رءوس مجتمعاتنا، لم تكن قد نضجت بعد.. حتى النخبة نفسها، ظهر أنها قد نادت بمبادئ، لم تعرف كيف يمكن تطبيقها، ورفعت شعارات، لم يكن لديها فكرة كيف يمكن فرضها.. كان أن ظهر بوضوح أن النخبة التي سعت لإسقاط نظام قالت إنه سلطوى، فاشل، ديكتاتور، أساء استغلال النفوذ، هي التي تحولت إلى نخبة سلطوية، ديكتاتورية، فاشلة، حاولت استغلال النفوذ.
من دلائل مرحلة شديدة من الشعبوية، أن نخبتنا التي قالت إنها سعت إلى إسقاط نظام مبارك، بتهمة الفساد، أرادت بعد إسقاطه تحيُن مليون فرصة للفساد.. تبين لأغلبنا وقتها.. أن هناك من ثار على الفساد، رغبة في فرصة في الفساد.
لما اتُهمت ابنة مناضل كبير، وسياسي نخبوى ضخم، في قضية جنائية مع آخرين، عام 2013، كان أن ألقت الدولة القبض على الآخرين، بينما نجت الفتاة.. سألت شخصية مهمة وقتها في حملة المناضل الكبير: "هو ده ينفع؟" أجابنى بثقة: "إذا كانت بنت (.. ) ماتطلعش.. أمال مين اللى لازم يطلع ؟!".
كانت دلائل شعبويتنا الشديدة، أن "ثورة النخبة" على الفاسدين، كانت نابعة من رغبتها في تبديل المواقع، مع من كانت تراهم فاسديــن.. لم تكن ثورة على الفساد، بقدر ما كان المجتمع يسعى إلى محاولة "تدوير الفساد".
من دلائل المرحلة الشعبوية، أنه لم يكن لدى الشارع، وقت إسقاط النظام في يناير 2011، طريقة عملية، ولا خطة ممنهجة، عن الذي يمكن أن يُدخل مجتمع، كان يقول إنه يعانى من الديكتاتورية والفساد الاجتماعى عقود، مرحلة مختلفة من نظام الحكم، فجأة، دون أن يتغير النظام الاجتماعى نفسه، ودون أن يتغير فكر الشارع.
للكلام بقية
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan