فتنة الخروج بالقوة على الحاكم
بعد أن توفى معاوية بن أبى سفيان وتولى ابنه يزيد الحكم، أراد أن يأخذ البيعة من الناس، لكن الصحابة الذين سبق أن امتنعوا عن ذلك (بالسكوت حذر القتل) في وجود أبيه، وجدوا معهم قوة وشوكة، فأعلنوا قتاله.. خرج عبد الله بن الزبير من مكة بجيشه معلنا الحرب على يزيد، وكذلك فعل الحسين بن على، حيث طلبه أهل العراق لقيادتهم.. كما أعلن أهل المدينة خلع يزيد وتجهزوا لقتاله، فكانت واقعة الحرة التي قتل فيها ثمانون مجاهدا من صحابة النبى (صلى الله عليه وسلم) ولم يبق أحد من أهل بدر، وقتل من قريش ومن الأنصار نحو ألف أو ألف وسبعمائة، ومن سائر البلدان قتل نحو عشرة آلاف بخلاف النساء والصبيان (البداية والنهاية لابن كثير)..
وبسبب هذه الفتنة التي سالت فيها هذه الدماء، وقتل فيها هؤلاء الأبرياء، يرجح جمهور الفقهاء عدم الخروج - بالقوة - على الحاكم، ولو كان طاغيا مغتصبا للسلطة، طالما أن الجيش والقوة العسكرية تسانده وتحميه.. في حالتنا نحن المصريين، سوف افترض جدلا أن الشعب لم يقم بثورة ٣٠ يونيو، وأن القوات المسلحة قامت بانقلاب على الرئيس "الشرعى" في البلاد، فهل يمكن اعتبار ذلك مسوغا للإخوان ومناصريهم لاستخدام العنف لاستعادة هذه "الشرعية"؟ وما هو رأي جمهور أهل السنة في ذلك؟
في كتابه (شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر)، يقول المستشار سالم البهنساوي: "يرى جمهور أهل السنة أن من تغلب على الإمام الشرعي وقهره واستولى على الحكم بالقوة يكون مغتصبا ولا شرعية له، ومع هذا يحرم الخروج على هذا المغتصب، لأن الخروج يؤدى عادة إلى الفتن وسفك الدماء واضطراب البلاد والعباد، ولأن من شروط منع المنكر ألا يؤدى إلى ما هو أنكر منه"..
وقد استدل على ذلك بكثير من المراجع الفقهية؛ كحاشية الرملى، والأحكام السلطانية للماوردي، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب، والمحلى لابن حزم، والتشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة، وغيرها.. مع ذلك، فإن الذي حدث لم يكن انقلابا ولا اغتصابا للسلطة، بل كان ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، تماما كالذي حدث في ثورة ٢٥ يناير.. لقد قام قطاع عريض من الشعب المصرى بثورة ٣٠ يونيو ضد الرئيس مرسي، أو بالأحرى ضد حكم الإخوان، وما كان للجيش أن يتخلف عن دوره في الاستجابة لمطالب الناس، خاصة بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية من رجاء ونصح وتحذير من مغبة ما يمكن أن يؤول إليه حال البلاد..
لذا، قام الجيش بالإطاحة بحكم الإخوان والتحفظ على الرئيس مرسي ومعاونيه وعزله عن منصبه، منعا لحدوث فتنة وعدم الانزلاق إلى هاوية حرب أهلية تسيل فيها دماء الآلاف أو عشرات الآلاف من الضحايا.. ومن ثم، فإن الاعتصام المسلح في رابعة كان يمثل في حد ذاته خروجا على الدولة، وما حدث أثناء وعقب الفض من أعمال إرهابية، يدل على أن هؤلاء لا يتعلمون ولا يتعظون من تجارب التاريخ، البعيد والقريب، وليس لديهم سند من علم رصين أو فقه سديد، وكل همهم السلطة بزعم الدفاع عن الإسلام والسعي إلى تطبيق شريعته!!..
كما أن ما يحدث في سيناء -وفى غيرها - على أيدي الإرهابيين من اغتيالات وتفجيرات وتخريب وتدمير للمنشآت العامة والخاصة هي أعمال مجرمة شرعا، ويجب أن تواجه بكل حسم من قبل مؤسسات الدولة..