رئيس التحرير
عصام كامل

نجلاء عياد تكتب: رخصة زواج!

نجلاء عياد
نجلاء عياد

إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن وقوع حالة طلاق كل أربع دقائق في مصر، هذا الرقم الصادم إضافة إلى ارتفاع عدد حالات الطلاق بشكل مذهل في الفترة الأخيرة، جعلني أسترجع سريعا ما قرأته عندما كنت أبحث عن أقل دولة بنسبة طلاق في العالم، وهى ماليزيا.


والسبب هو أنه في عام 1992 وجد رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد أن نسبة الطلاق وصلت إلى 32%، بمعنى أن كل 100 حالة زواج ينتهي منها 32 حالة بالطلاق، وكان مهاتير محمد على وعي بأن هذه النسبة المرتفعة تعوق طموحات بلاده في التطور ولها تأثير سلبي في مستقبل ماليزيا.

ومن المعروف أن مهاتير كان مفكرا اقتصاديا حريصا على مستقبل ماليزيا بين النمور الآسيوية، وقد عمل على أن تكون دولته من الدول الكبرى المتقدمة خلال العقدين القادمين، وأمام هذه الطموحات الكبيرة، وجد أن مشكلة الطلاق ستعوق خططه وتؤثر في اقتصاد بلده لما لها من آثار اجتماعية واقتصادية في المجتمع.

لذلك لجأ مهاتير محمد إلى استحداث علاج ناجع للمشكلة وهو (رخصة الزواج)، وبموجبه ألزم كل من يرغب في الزواج من الجنسين بأن يخضعوا إلى دورات تدريبية متخصصة يحصلون بعدها على رخصة تخولهم للزواج، الرخصة مفادها جاهزية واستعداد كلا الطرفين لأعباء الزواج وتحدياته ومتاعبه، وكذلك حصاد ثماره في المستقبل دون ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية على الرجل والمرأة والأطفال، وبالتالي دون تحميل المجتمع الماليزي ثمن فشل العلاقة الزوجية حال انتهت بالطلاق.

وفي نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، انخفضت نسبة الطلاق في ماليزيا إلى 7%، وأصبحت اليوم من أقل دول العالم في نسبة الطلاق هذا هو الحال في ماليزيا.

أما في مصر، فلم نعدم الحلول ولا المبادرات التي سعت لمعالجة مشكلة ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع المصري، فقد أصدرت الكنائس الأرثذوكسية قرارًا يلزم المقبلين على الزواج بحضور دورات مشورة أسرية مع الحصول على الشهادة التي تثبت حضور الدورة كاملة، وهى الدورات التي بدأ تطبيقها إجباريًا في محافظات مثل الإسكندرية بداية من العام الماضي، من أجل إتمام الزواج كنسيًا وإعطاء تصاريح الإكليل.

والهدف من دورات التأهيل قبل الزواج هو حل المشكلات التي قد تواجه الشريكين أثناء الحياة الزوجية إضافة إلى التثقيف العام حول المواضيع المتعلقة بتربية الأطفال وتعليمهم وكيفية إدارة الدخل المادي وتدبير أمور المعيشة، وطبعا الحياة الجنسية والتي تعد أهم الأسباب في سعادة أو تعاسة الزواج.

لقد حان الوقت لاستصدار قوانين تلزم الخضوع لدورة تدريبية لكلا الخطيبين في مرحلة ما قبل الزواج، وتقديم ما يثبت الحضور حتى يتم تثبيت الزواج رسميًا في دوائر الأحوال المدنية، كما هو الحال تمامًا عند تقديم نتائج الفحوص الطبية للهيئة المعنية بتسجيل عقد الزواج، فلا يقل التدريب النفسي والفكري لهذه المرحلة أهميةً عن الكشف البدني للأمراض العضوية.

من المعيب أن نرضى بالتعليم لسنوات طويلة وأن نطالب بالتدريب المستمر الذي يتماشى مع احتياجات السوق دون أن نصرف فترة أسبوع واحد في فترة الخطوبة لفهم مرحلة الزواج المقبلة، فبناء المجتمع وتربية الأبناء يحتاج لاتخاذ خطوات كهذه من أجل تمكين الأسرة من العيش على أسس سليمة، وفي نهاية الأمر يبقى استمرار واستقرار هذا الزواج ونجاحه أو فشله أمرًا أكبر بكثير من مجرد أن تحسمه دورة تدريبية مدتها أسبوع، لكنها تتحكم إلى حد كبير في خلق وعي في العلاقة وشفافية في التوافق أو الاختلاف، من شأنها أن تقلل نسب الفشل أو على الأقل تجعل من النهايات -إن وقع الطلاق- أخلاق بتراضي الطرفين، لا بتفنن كل طرف في تعذيب وإذلال الطرف الآخر!
الجريدة الرسمية