«أزمة صامتة» بين المغرب ومصر.. صحف الرباط تهاجم القاهرة بسبب استقبال وفد « البوليساريو».. الجهات الرسمية تكتفي بالمشاهدة.. والخلاف يصل إلى الوسط الفني
بدأت ملامح أزمة سياسية تلوح في الأفق بين مصر والمغرب، على خلفية استقبال القاهرة لوفد ما تعرف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وهي دولة لا تعترف بها مصر وكذا الأمم المتحدة، في إطار جلسات البرلمان الأفريقي، ووجود علم هذه "الدولة" بين المشاركين، الأمر الذي أحدث ضجة واسعة في المغرب لم تنته رغم تأكيد رئيس البرلمان الأفريقي، روجيه أنكودو أن مصر كان لها موقفًا رافضَا لرفع العلم في الجلسات التي نظمتها.
وخرج روجيه أنكودو، رئيس البرلمان الأفريقي، ليؤكد أن علم وفد البوليساريو، لم يرفع أبدًا في احتفال 150 عامًا، أو في الجلسة المشتركة التي جمعت البرلمان الأفريقي بالبرلمان العربي، وقال في تصريحات رسمية: إن مصر رفضت رفع العلم في الجلستين لعدم اعترافها بـ"دولة" البوليساريو التي تعدّ عضوًا في الاتحاد الأفريقي، غير أنه أكد أن العلم رُفع في جلسات البرلمان الأفريقي المتبقية.
هجوم مغربى
توضيحات البرلمان الأفريقي لم تنه الجدل في المغرب، وتحدثت وسائل الإعلام المغربية عن وجود بوادر أزمة بين المغرب ومصر بسبب هذه الواقعة، وفي هذا الإطار، قال محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش: "إن هناك نية مصرية في إحراج المغرب مقابل تقوية العلاقات مع الجزائر".
وزعم نشطاوي، أن ما جرى يجب أن يقرأ في سياق مؤشرات متعددة، منها استقبال مصر قبل فترة لقياديين من البوليساريو، ودخول علاقة مصر مع السعودية في منعطف مسدود، والحديث عن إرسال شحنات من النفط الجزائري إلى مصر، وخروج هذه الأخيرة عن الموقف الخليجي في التعامل مع إيران واليمن وسوريا، متحدثًا عن وجود حمولة دبلوماسية كبيرة لوجود البوليساريو فوق الأراضي المصرية.
وتابع نشطاوي: "كان على الدولة المصرية التعاطي بنوع من الحذر واتخاذ إجراءات أكبر وهي تستقبل وفد البوليساريو ضمانًا لاستمرار قوة علاقتها بالمغرب، صحيح أن مصر قد تكون مجبرة على قبول حضور البوليساريو باعتباره عضوا داخل الاتحاد الأفريقي، لكن تطوّر علاقتها بالجزائر واللقاءات الأخرى التي جرت بينها وبين البوليساريو، تبيّن أن النظام المصري يرغب بإحراج نظيره المغربي".
غضب فنى
موجة الغضب وصلت إلى الوسط الفنى، وأعلن المغني المغربي نعمان لحلو إلغاء زيارته إلى مصر، واعتذاره للقنوات التليفزيونية المصرية التي كان مقرّرًا أن تستضيفه، كما اعتذر لجامعة حلوان التي كان مقرّرًا أن يلقي بها محاضرة عن الموسيقى المغربية، بسبب استقبال الجمهورية المصرية وفدًا من جبهة البوليساريو.
وكتب نعمان لحلو، واحد من أشهر الموسيقيين المغاربة خلال العقدين الماضيين، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، أنه "صُدم من استقبال رئيس مجلس النواب المصري، الناطق باسم الشعب، وفدًا من جبهة البوليساريو الانفصالية".
وأضاف لحلو: " أتساءل هل هذا الشخص يتصرف باسم الشعب، وإن كان الأمر كذلك، فإنني أطلب من كل الفنانين المغاربة المقيمين بمصر أن يكون لهم موقف ولو بالتنديد حتى يعلم الشعب المصري كمية الإساءة التي وجهوها لشعب يحبهم".
وسافر وفد يمثل ما يُعرف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي تعلنها جبهة البوليساريو إلى مصر نهاية الأسبوع الماضي للمشاركة في اجتماعات البرلمان الأفريقي، إذ تعد هذه "الجمهورية" عضوا في الاتحاد الأفريقي، رغم عدم اعتراف الكثير من الدول الأفريقية والعالمية بها، وفي مقدمتها المغرب الذي انسحب من هذا الاتحاد عام 1984 احتجاجًا على عضوية البوليساريو.
زيارة إثيوبيا
الساعون إلى الوقيعة بين البلدين، ربطوا أيضا بين زيارة الملك محمد السادس عاهل المغرب، إلى إثيوبيا ضمن جولته الأفريقية التي تشمل ثلاث دول، بأزمة استقبال وفد البوليساريو، لمكايدة مصر دبلوماسيا، الأمر الذي يتنافى مع حقيقة جولة ملك البلاد.
وحل الملك محمد السادس بجمهورية رواندا كيغالي، الثلاثاء الماضى في مستهل جولة رسمية تشمل تنزانيا وإثيوبيا، وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها نحو البلدان الثلاثة منذ ترّبعه على العرش، كما تكتسي طابعًا سياسيًا، نظرًا لطلب المغرب العودة إلى الاتحاد الأفريقي، واعتراف الدول الثلاثة بما يعرف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
صمت رسمي
بالرغم من تصاعد الأزمة وتركها لوسائل الإعلام، لا زالت الجهات المعنية في البلدين تلتزم الصمت، تاركة الرياح تحمل غبار إلى سماء العلاقات دون توضيحات حاسمة أو صدور بيانات رسمية تنهى الجدل الدائر وتخرص ألسنة المتربصين بالعلاقات التاريخية بين القاهرة والرباط، خاصة أن القاهرة الرسمية ترفض بشكل قاطع تقسيم الدول، وموقفها واضح في سوريا واليمن وليبيا، والمؤامرة الدبلوماسية حول مستقبل الأمة العربية بعيد كل البعد عن قاموسها السياسي.