خبراء الطاقة يحذرون من تلاعب السعودية بالتوريدات النفطية «تقرير»
قبل 90 عامًا، وضعت القاهرة والرياض أول حجر أساس لعلاقات الصداقة بينهما، بدأت بتأييد السعودية لمطالب مصر بجلاء القوات البريطانية من أراضيها، ووقفت بجانبها وأيدتها أمام الجامعة العربية والأمم المتحدة، وفي كل المحافل الدولية أيضًا.
ومرت السنوات لتظهر السعودية أمام العالم أهمية قيمة وقوة سلاح النفط في عهدي الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات عندما كانت مصر تخوض حروبًا ضد إسرائيل في عامي ١٩٦٧ و1973، حين قرر الملك فيصل وقف تصدير البترول لأمريكا في اجتماع وزراء البترول العرب، وتخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وحظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة.
وبعد انتقال مصر من مرحلة الحرب إلى السلام توسع الدعم البترولي السعودي لمصر في فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، فكانت العلاقات مع السعودية أكثر متانة وظهر ذلك جليا في توريد لمصر ما يقرب من ١٥٠ ألف طن وقود دون مقابل في الحالات الاستثنائية التي تشهد فيها أزمات، بالإضافة إلى منح لا ترد تقدر بنحو ٤ مليارات دولار سنويا، وكانت في شكل دعم مواد بترولية بجانب المنح والهدايا في القطاعات الأخرى.
ولكن مع اندلاع ثورة 25 يناير، تغيرت الأمور وانقلبت العلاقات السعودية المصرية رأسا على عقب، خصوصًا مع إصرار الشعب المصري على رحيل مبارك، الذي كانت السعودية تسانده وتصر على بقائه في ظل اشتعال الأزمة وتدهور أوضاع الدولة اقتصاديا، وهروب شركات بترول أجنبية ووقف العمل في مناطق الامتياز نتيجة الانفلات الأمني حينها، مما أثر سلبا على إنتاج مصر المحلي.
وبعد رحيل مبارك وتولي المجلس العسكري حكم البلاد غيرت السعودية تعاملاتها للأسوأ، فخفضت الدعم البترولي لمصر وقلصت المنح السنوية لمليار ونصف دولار فقط ومنعت التسهيلات في شحنات الوقود والتي كانت تبلغ حمولتها آنذاك ٦٥٠ ألف طن.
واشتد الأمر تعقيدا بعد تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي حكم مصر، حيث أوقفت السعودية المساعدات البترولية وكذلك المنح نهائيا وتقليص كميات شحنات الوقود الموردة لمصر من ٦٥٠ ألف طن إلى ٢٠٠ ألف طن فقط.
سياسة الإخوان في حكم البلاد جعلت السعودية تميل إلى اتخاذ موقف معارض ضد مصر بسبب التصرفات التي اتبعتها الجماعة، والتي وصفت بالعدائية في تعاملاتها مع دول الخليج.
وشهدت مصر أزمات نقص الوقود يوميا فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي فكان لا يمر يوم إلا وتحدث اشتباكات ومشادات في المحطات، وحاولت جماعة الإخوان حل الأزمة لكنها فشلت رغم التعاقد مع قطر على شحنات وقود لمصر التي كانت قليلة مقارنة بالاستهلاك المتزايد في ذلك الحين.
وعادت الروح الثورية من جديد للشعب المصري وتم الإطاحة بمرسي اعتراضا على فشلهم في لإدارة حكم البلاد، وبعد تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، عادت السعودية وغيرت من سياستها وأعلنت عن تدعيمها الكامل لمصر، ووقع الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس السيسي اتفاقية تجارية كبرى لأول مرة بقيمة٢٠ مليار جنيه لتوريد شحنات وقود لمصر شهريا بكميات تصل نحو ٧٠٠ ألف طن ولمدة ٥ سنوات.
وقدمت السعودية دعما بتروليا في هذه الاتفاقية بفوائد ٢ ٪ وليس ٥ ٪ كما هو معتاد في التعاقدات مع الشركات الكبرى، كما أعطت الفرصة لمصر بسداد قيمة الشحنات بفترات سماح مفتوحة الأجل، ومنحت المملكة دعما لمصر أيضًا العام الماضي يقدر بـ٣ مليارات دولار أي ما يعادل ٢٧ مليار جنيه لا ترد في شكل شحنات بترولية.
وفي ١٠ أكتوبر الماضي، امتنعت شركة أرامكو السعودية عن ضخ شحنات البترول لمصر، وأبلغت الشركة الأكبر في العالم المسئولين في مصر بذلك شفهيًا، ما أصاب المصريين والخبراء والمحللين على كافة الأصعدة بتعجب.
عدد من خبراء البترول أكدوا أن الموقف السعودي غير واضح بعد وقف شحنات الوقود عن مصر، وأرجعوا السبب إلى قرار سياسي على خلفية تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي بشأن سوريا وهو ما أثار استياء السعودية.
وهنا قال المهندس مدحت يوسف الخبير البترولي نائب رئيس الهيئة العامة البترول الأسبق: إن مصر ليس لديها بديل غير السعودية في شراء المنتجات البترولية لتغطية احتياجات السوق المحلية، مضيفا أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الرياض تقدم مساعدات بترولية لمصر بفائدة ٢ ٪ وفترة سماح ٥ سنوات، وهي إجراءات تناسب ظروفنا الاقتصادية الصعبة.
وأشار الخبير البترولي إلى أنه في حالة التعامل مع بديل غير السعودية سنتكلف كثيرا وسيؤدي ذلك إلى استنزاف المزيد من العملة الصعبة، وتحمل أعباء على البنك المركزي، والسبب في ذلك أن أي دولة أخرى في حالة الاتفاق على شراء وقود منها ستفرض فوائد تزيد على ٥ ٪ وفترة سماح سداد قصيرة وليست طويلة الأجل على عكس السعودية.
وأوضح المهندس أسامة كمال وزير البترول الأسبق أن وقف شحنات الوقود على مصر ربما يكون سببه الأزمة الاقتصادية التي تمر بها السعودية، خصوصًا بعد تراجع أسعار النفط في السوق العالمية ووصوله إلى ٥٠ دولارا للبرميل وما مثله ذلك من خسائر عليها.
ويتخوف خبراء آخرون من ملامح العلاقات السعودية المصرية في الفترات المقبلة في ضوء ما تشهده المنطقة من تقلبات وانشغال المملكة بصراعات في ملفي سوريا واليمن ومطالبة أمريكا من الناحية الأخرى السعودية بدفع تعويضات بمليارات الدولارات لأهالي ضحايا أحداث 11 سبتمبر بحجة أن المتورطين في الحادث سعوديون.
الخبير البترولي رمضان أبو العلا رأى أن الوضع الحالي للدولة وما يحيط بها من ظروف اقتصادية صعبة لا يحتمل الدخول في مشاحنات مع السعودية بل يتطلب هدوءا وحفاظا على العلاقات الطيبة، مؤكدًا أن اتباع سياسة العناد سيجعلنا نخسر كثيرا فالسعودية تقدم دعما لمصر سنويا يقدر بـ٢٠٪ بعد تولي الرئيس السيسي حكم البلاد، وتعمل على المساهمة في سد احتياجاتنا من المنتجات البترولية بنسبة ١٥ ٪.