فاروق الباز تانى؟
الأسبوع الماضى، أعاد الدكتور فاروق الباز الجدل للمرة المليون على مشروع ممر التنمية. نزل الرجل مصر منذ أيام، ثم عاد وركب الطائرة وسافر إلى الولايات المتحدة، مخلفا وراءه مزيدا من حديث مكرر عن محور التنمية، وإمكانيات محور التنمية، ومشاريعه الواعدة في ممر التنمية، وخطط الدكتور الباز الطموحة، ذات العوائد بالمليارات في ممر التنمية. كل مرة نفس الكلام، ونفس الحديث.. ثم لا شىء.
يغادر الرجل، ليجىء العام المقبل.. أو خلال العام مرتين.. يتكلم، ويقول، ويهاتى، ثم يغادر.. وادى وش الضيف. منذ يناير 2011، والدكتور فاروق الباز يتكلم عن قرب بدء مشروعه هناك، لكن لا مشاريع بدأت.. ولا توقف الدكتور الباز عن الكلام.
منذ سنوات، يزغلل الرجل أعيننا بحلم استخراج المياه الجوفية من الصحراء الغربية. مرات كثيرة حكى عن صور الأقمار الصناعية، التي تشى بالمعجزات على الأرض المصرية. بدأ الدكتور الباز كلامه عن ممر التنمية، قبل عشرين عاما. وقتها كنا نسمع عنه في نشرات الأخبار الأوروبية، ونشاهد صوره الكروكية في الجرائد الأمريكية.
في الغرب، تكلم رجال أعمال عن استعدادهم للمشاركة والاستثمار في المشروع الضخم.. قيل إن بعضهم عرض شراء الفكرة والخرائط من الدكتور الباز. قيل أيضا إن الرجل رفض، إذ أن بلده أولى.
لكن ما الذي يمنع مشروع محور التنمية للآن؟
قبل يناير 2011، كانت حجج الدكتور فاروق كثيرة، وكبيرة.. أكبرها كانت عدائية نظام مبارك، وعدم رغبة بعض المحيطين في إطلاق يد الدكتور الباز في تحقيق المشروع.
قيل: كانوا عاوزين رشوة.. وقيل: طلبوا منه تأسيس شركة، ليتم تنفيذ المشروع عن طريقهم هم. تساءل الجميع وقتها: من هم.. لا تجد إجابة، وتجد أن من يتكلم عن "هم"، هو نفسه لا يعرف من "هم".
كان كلاما كثيرا. الدكتور الباز نفسه بعد يناير 2011، قال إنه في الطريق لتحقيق المشروع. بعد سقوط النظام البائد جاء مرة، وقيل إنه ذهب لمعاينة الأراضي في الصحراء الغربية، بلا خرائط. ومرة أخرى قيل إن المعاينة هذه المرة بالخرائط. مرة ثالثة، بلا خبراء، ومرة رابعة، مع الخبراء. زيارات الدكتور الباز من وإلى الولايات المتحدة لم تنقطع، والحديث عن ممر التنمية، لم ينقطع حتى الآن أيضا.
تنحى مبارك، وسقط نظامه، والدكتور فاروق لم ينفذ. جاء المجلس العسكري، ثم ذهب، والدكتور الباز ما زال يتكلم. جاء الإخوان، وراح الإخوان. جاء السيسي، واستقرت الأمور.. وكلام الدكتور فاروق عن الممر هو هو.. لا الدكتور فاروق نفذ، ولا فعل ما كان قد وعد به من قبل: انهار من لبن وعسل.. وجنات مصرية في الصحراء الغربية.
الزيارة الأخيرة، نزل الباز مصر. قابل الرئيس، خرج الباز يتكلم عن ممر التنمية مرة أخرى. لا أحد يعرف ماذا قال للرئيس السيسي، ولا ما الذي قاله له الرئيس. لو تكلم الباز عن عقبات، لن نصدقه هذه المرة. ليس مطلوبا منا تصديق الدكتور الباز على طول الخط. اللى ما يشوفش من الغربال..
كثير من علمائنا في الخارج: خليوا بينا.. قضى بعضهم نحبه، وبقى آخرون. الكلام عن "إحياء البلد بالعلم والعلماء" على دماغنا.. لكن ما المطلوب منا فعله كى يحقق علماؤنا في الخارج ما يعدون به؟
لا أحد يعلم. ولا أحد يتصور، أن يطلب منا علماؤنا في الخارج مساعدة.
بالعكس.. هم من نتصور منهم المساعدة. مساعدة بعلاقاتهم، وخبراتهم، وشخصياتهم المعروفة في المحافل الدولية.
أحبطنا بعض علمائنا في الخارج. اكتفوا بالصور الفوتوغرافية في حفلات يحضرها نجمات السينما، ورجال المجتمع. كثر الكلام في خطبهم عن أهمية العلم، وداء الجهل.. قالوا كلاما كثيرا.. وكانت حججهم أكثر.. لما جاء الوقت، لم نجد منهم إلا مجدى يعقوب.
الدكتور فاروق الباز واحد في سلسلة طويلة.. ممن لم يكن عشمنا فيهم هكذا. رغم ذلك.. مازالوا يتكلمون!
wtoughan@hotmail.com
twitter: @wtoughan