الاعتداء الصارخ على الخصوصية
يمثل التصريح الذي أدلى به أحد أعضاء مجلس النواب في معرض حديث صحفى عن ذيوع ظاهرة الزواج العرفى بين طالبات الجامعة، من ضرورة الكشف على عذريتهن، اعتداء صارخا على خصوصية المواطنات والمواطنين.
ذلك أنه لا يحق لأى حكومة حتى لو كانت في بلاد "واق الواق" أن تتدخل هذا التدخل الفظ وغير الإنسانى في حياة البشر.
لقد خلق الإنسان حرًا، ولذلك نصت الدساتير ومختلف القوانين الوضعية بدقة شديدة على الحالات التي يمكن فيها تقييد حريته، خصوصا إذا ما ارتكب جريمة من الجرائم التي يؤثمّها القانون، وتثبت في حقه بعد استنفاد كل درجات التقاضى التي نص عليها القانون حتى لا تقيد حرية مواطن بريء.
إن المرء ليندهش حقا من المستوى المتدني لبعض أعضاء مجلس النواب، والذي تكشفه بعض تصريحاتهم أو مقترحاتهم "الفذة" والتي تدل على عدم أحقيتهم في شغل منصب عضو البرلمان، حتى لو جاء نتيجة انتخاب شعبي، فهذه النتيجة لا تجعله يعرف بما يشاء أو يتحدث في أي موضوع بلا مسئولية.
وقد لفت نظرى في الفترة الأخيرة –في مجال مكافحة إدمان المخدرات- بعض الدعوات الحكومية للكشف الدوري على الموظفين. وفى هذا المسلك اعتداء صريح على الحق في الخصوصية، بل إنها تفتح الباب لفساد لا يمكن وقفه حين يحاول بعضهم تزييف النتيجة حتى لا يناله العقاب الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى الفصل من العمل.
ونقول لهؤلاء إن هناك شيئا اسمه "حقوق الإنسان" التي لا تتيح على وجه الإطلاق خدش كرامة المواطن، ولا التفتيش في ضميره، ولا بحث سلوكه الاجتماعى أيا كان إلا إذا خالف القانون مخالفة ثابتة وواضحة. هنا فقط يجوز التعامل معه وفق القواعد الدقيقة التي نص عليها قانون الإجراءات الجنائية.
أما لو ترك الحبل على غاربه بحيث يتحول أي عضو مجلس شعب إلى "فيلسوف اجتماعى" يقترح على المجتمع حلوله التافهة فإن المسالة تحتاج إلى وقفة جادة.
وأنا مع أعضاء مجلس النواب الذين طالبوا بإحالة هذا العضو إلى لجنة القيم، حتى ينال ما يستحق من عقاب، حتى ولو كان فصله من مجلس النواب الذي لا يشرفه على الإطلاق أن يكون عضوا من أعضائه.