الحكومة لا تركب «التوك توك»
خلال اليوميين الماضيين وقعت أحداث كثيرة كان من الضرورى التوقف عندها لكل ذى عقل أهمها رسائل الرئيس السيسي خلال الندوة التثقفية للقوات المسلحة، وحواره مع الصحف القومية، وكلامه عن الداخل والخارج، وعلاقة مصر بالسعودية، وأيضا استشهاد 12 بطلا من أبطال القوات المسلحة الذين يستحقون منا كل تقدير لما يقومون به في مواجهة الإرهاب، فهؤلاء يسقطون من أجل مصر من أجل المؤيدين والمعارضين، من أجل المحبين والكارهين، من أجل الجميع من أجل تراب الوطن، رغم هذه التضحيات والأحداث الكبيرة كل هذا لم يشغل بالنا، ولم يستغرق من اهتمامنا الكثير فنحن نعشق التفاهة، وندمن الأحداث الصغيرة، والاستغراق في التفاصيل..
تركنا كل ما يدور حولنا وانشغلنا بسائق التوك توك من خلال أحد برامج التليفزيون الذي هاجم الحكومة وحملها مسئولية ارتفاع أسعار السلع، وغياب بعض السلع الضرورية، وإذا كنا نتهم كثيرا من المصريين بالانشغال بما يدور في عالم فيس بوك، اتضح أن الحكومة أكثر تفاهة وتفرغا لما يدور على شبكات التواصل الاجتماعى، حيث تركت كل ما لديها من ملفات الداخل والخارج، والهجرة غير الشرعية، وهروب السياحة والاستثمار، وضبط الأسواق وتوفير السكر وأسعار الدولار، وغيره من الملفات المهمة، وتفرغ المستشار السياسي لرئيس الوزراء للبحث عن سائق التوك توك واستقباله في مجلس الوزراء، والتقاط عدد من الصور تجمعه برئيس الوزراء والتأكيد أن الشعب و"التكاتك" إيد واحدة ومصير مشترك ولن تنجح محاولات الفتنة بينهم، بالتأكيد إن ما يحدث عبث..
سائق التوك توك لم يكذب في كثير مما ذكره وما جاء في التسجيل التلفزيونى يقوله غالبية المصريين في التوك توك والميكروباص والأتوبيس والقطارات وكل وسائل المواصلات فارتفاع الأسعار هو الحديث المشترك لغالبية المصريين ولو أن الحكومة تركب التوك توك لعرفت الحقيقة وتأكدت بنفسها من ارتفاع الأسعار، وعدم الرقابة على الأسواق، وزيادة الأسعار كل ساعة وليس كل يوم، وتحكم القطاع الخاص في كل شيء في الأسواق، وكل تاجر يحدد السعر الذي يريده وليس ما تحدده الحكومة، والغريب أن الحكومة تعرف هذا جيدا، وتعرف أنها كاذبة في ضخ كميات كبيرة من المواد الغذائية لتهدئة الأسواق، فهى لا تملك شيئا سوى التصريحات، وصمت رئيس الوزراء والكذب على الرئيس حيث أكدوا له في كل مناسبة أن رصيد السلع الإستراتيجية يكفى لمدة ستة أشهر ومع أول مناسبة اتضح كذبهم واتضح أن رصيد السكر والأرز والزيت لا يكفى لمدة ستة أيام فقط.
الحكومة سقطت في اختبار موقعة التوك توك واختارت الحل السهل وهو الاندهاش مما قاله سائق التوك توك، فهناك مايقرب من 15 مليون سائق خريجى جامعة التوك توك، يتحدثون بنفس اللغة، ويحملون نفس الثقافة ويتحركون في قرى ونجوع مصر دون أن يعرف أحد عنهم شيئا، بعضهم موظفون سابقون وخريجو جامعات، والبعض الآخر بلطجية ومسجلون يرتكبون وقائع السرقة والخطف جهارا نهارا، وأعطت الحكومة ظهرها من تحذيرات المراكز البحثية التي طالبت بضرورة مواجهة ظاهرة التوك توك اجتماعيا وأمنيا، فالتوك توك أقوى من الحكومة وجميع أجهزتها.. أصبح التوك توك أسلوب حياة وليس وسيلة مواصلات.