رئيس التحرير
عصام كامل

يوسف زيدان: الواقع المصري «خانق».. وقوة مصر الناعمة مصطلح «سخيف»

فيتو

  • الكتابة «رفاهية» وليست للنضال.. وفكرت كثيرا في التوقف والشباب منعوني
  • الإبداع يحتاج مساحة من الحرية.. الدولة البوليسية أول من يكتوي بنار القمع 
  • أنا أشبه بـ«ابن سينا» و«ابن النفيس»
  • الذين يريدون أن ترسخ الأمة في الحضيض يضايقهم أن يفكر البعض 
  • بعض الصحف تخصصت في تشويه ما أقول وتثير حفيظة المهووسين والمتعصبين

عندما يتحدث إليك تشعر برغبة في الاسترسال معه، بعض أفكاره تكسر الكثير من الأفكار والرؤي التقليدية والمنطقية، فهو صاحب إنتاج أدبي كبير وحصل على أعلي الجوائز الأدبية في الوطن العربي.

إنه يوسف زيدان الفيلسوف المصري، والمتخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه، وصاحب عدة مؤلفات وأبحاث علمية في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي، وله إسهام أدبي في أعمال روائية منشورة، وله مقالات دورية وغير دورية في عدد من الصحف العربية، حاورته "فيتو" في منزله لنحاول أن نقترب من مقاصده الفكرية.. وسألناه. 


*ما الذي يتمني يوسف زيدان الأديب كتابته في المستقبل؟
معظم الرسائل لم أحققها لأنها تحتاج هامشا أوسع من الإنسانية بكل ما تشتمل عليه من مفاهيم مثل الحرية وقبول الفكر المختلف فتراني دائما ألمح أكثر مما أصرح وأشير أكثر مما أفيض وأفسر لأن الواقع خانق، ولهذا يسكت الكُتًاب، انظر قبل 7 سنوات كم الكتاب الكبار الذين كانت مصر تتباهي بهم كل يوم تحت المسمي السخيف «القوى الناعمة» وانظر الحال الآن فبعضهم، توقف بموته، وبعضهم كسر القلم، وبعضهم حوصر حتى انحسر وتحسر وبعضهم لا يزال يناضل والمفروض أن الكتابة هي نوع من المرح وليس النضال فالجزء المبهج من الكتابة تم دفنه ولكن تبقي المسئولية تجاه العقل الجمعي وتجاه القراء في هذا الزمن الرديء، كثيرا ما يخامرني رغيبة في التوقف لكن تحاصرني اللمعة التي أراها في أعين الشباب في الندوات وحفلات التوقيع، فكأنها تلقى على بمزيد من المسئولية هذا الولد وهذه الفتاة العشرينية أنا عايشت فترة ألا تجد أحدا يحدثك عندما كنت في مثل سنهم، ولظروف سياسية مع السادات والكتاب عندما "هج" الجميع من مصر وسميت وقتها قبل ثلاثين عاما مذبحة أساتذة الجامعة، فاضطر الكثيرون أمثال على شلش وبهاء طاهر وأحمد عبد المعطي حجازي وجابر عصفور ونصر حامد أبوزيد، بعضهم عاد وبعضهم مات، فكنت لا أجد من أخاطبه ولذلك أعلم هذه الحسرة وعلمي بها يلقي مزيدا من المسئولية فأواصل والقلب فيه مافيه.

*هل يمكن أن تتوقف عن الكتابة حال كثرة الهجوم عليك؟
لا لن يوقفني الهجوم، فالمسألة أصبحت أكثر سخفا من هذا ولأقل الأسباب ففي إحدي الحلقات مع الإعلامي خيري رمضان قبل شهر كادت أن تلفت النظر إليها وطرحت فيها عدة أفكار تم التشويش عليها فادعي البعض أني هاجمت دول الخليج فهاجمني بعض كتاب الخليج، وكتبت بنفسي أن هذا لم يحدث فتجاهلوا توضيحي.

فأصبحت حالة التشويش لا تتوقف هي دائمة، لأن هؤلاء الذين يريدون أن ترسخ الأمة في الحضيض يضايقهم أن يفكر الناس لأن تفكير الجماعة مقدمة لخروج هذه الجماعة من قبضة المسيطرين عليها باسم السماء أو باسم الأرض فيصبح التفكير نضالا والكتابة مثيرة للتوجس في حين أن التفكير والكتابة يحتاجان إلى مساحة حرية، والأثر السلبي لقمع الأفكار وكسر الأقلام ينعكس على الجميع حتى بمن فيهم هذا الذي يقمع ويمنع.

فلطالما قمع القذافي وقصف الأقلام فاكتوي الجميع بالنار بمن فيهم القذافي. فعل ذلك الأسد الكبير الأب وفعل ذلك صدام حسين، فكانت النتيجة أن تدهور الواقع بكل مفرداته بمن فيهم القامع ومساعدوه، اكتووا بهذه النار، إذا لم يفكر العقل الجمعي فيصبح المجتمع كالأنعام فيأتي أي شخص معتوه أو سفيه يلقي بالقضايا الهلامية والشعارات الجوفاء فيستميل العوام ويصدم العوام بالعوام، فتنهار البلاد بمن فيها الحكام فإذا لا أحد يستفيد في حين أن الأمم لاتتحرك إلا بالأفكار، لم يحدث في تاريخ الإنسانية أن تطورت جماعة من الجماعات التي ساهمت في تاريخ الحضارة الإنسانية إلا بفكر وأدب مختلف وجديد تم قبوله.

يتحدث كثيرون عن قوة مصر الناعمة هذا التعبير أراه سخيفا، لأنه فيه نوع من التأنيث للمسألة، الفكرة أقوي من السلاح، الجماعات الداعشية هذه الشنائع التي ترتكبها، ترتكبها بناء على نمط من التفكير، وبالتالي أن يوصف الفكر بالقوة الناعمة هذا غير صحيح فهذا ساذج جدا ولطالما سمعنا من المنصات العالية في مصر هذا التعبير وطيلة هذا الوقت لا نري شيئا يقدم لهؤلاء الذين يصنعون كما يقول السياسيون هذه القوة الناعمة إذا هي عبارت للاستهلاك المحلي ساذجة وتعكس حالة التسطيح العام الذي نعاني منه وقد يؤدي بنا إلى الهاوية.


*لماذا لانري زيدان في لقاءات مفتوحة مع الشباب؟
لم تعد الأماكن متاحة، المحاضرة العامة يحضرها أكثر من ألف شخص وهذا يحتاج مكانا مناسبا، بالإضافة إلى أن المحاضرات المفتوحة كثيرا ما يكون فيها اختبار للأفكار وأطروحات وخلال الفترة السابقة كانت بعض الصحف تتخصص في تشويه ما أقول وعرضه على الناس بشكل يثير حفيظة المهووسين والمتعصبين وهو مايؤدي إلى تحريك دعاوي قضائية وإلى مزيد من الانشغال والتشويش على مانطرحه من أفكار وتشويه لها بإخراجها عن مسارها، إلا أنني لا تكسرني هذه الأفاعيل وأحاول قدر المستطاع إذا انغلق باب أفتح أبوابا أخرى حتى يبقي التواصل قائما.

*أغلب الشباب لا يتلقي دعما وهو ما يؤثر على ظهور المبدعين؟
الفكر يتطلب الاحتفاء به أو على الأقل تركه في حاله بلا معوقات، والمشكلات المتعلقة بالنشر التي تواجه الشباب ليست عويصة هناك بدائل كثيرة منها النشر الإلكتروني بدون أي تكلفة، وعلي المدونات وفيس بوك أو اللجوء إلى الطبعات الرخيصة، أو التعامل مع ناشر يحترم مهنته الأمر بسيط.. المسألة أكثر عمقا.

*منذ فترة كبيرة لم نر كاتبا مصريا يحصل على جائزة عالمية؟
لن يحدث أي شيء إيجابي إلا إذا صحت النية، والذي اراه الآن أن النية إلى الآن لم تصح، من يكتب الآن لكي نسال عن الجوائز؟أين هي الأعمال؟ خلال السنوات القليلة الماضية فقدنا من الأدباء خيري شلبي، وجمال الغيطاني، وإبراهيم أصلان، والناقد سامي خشبة والآن متوقف عن الكتابة بلال فضل، وعز الدين شكري فشير، وعلاء الأسواني لأسباب متعددة، إذا أين هي الأعمال التي تحصل على جوائز؟ ولا نري غيرهم لأن شروط إنتاج الفكر غير متحققة، مادام لا يوجد فكر رفيع المستوي يكون الهوس هو البديل، ومادمت لاتبني العقل فليس بعد العقل إلا الجنون والمهووسون دينيا والمخبولون الذين يطرحون إطروحات مثل هيا بنا نحارب أوروبا، ونأخذ نساءهم سبايا وأموالهم غنائم، ويطرح هذا على القنوات المصرية هذا دليل دامغ على الحالة المتردية التي وصلنا لها.

*هل كثرة إصدارات يوسف زيدان.. تثير الشكوك حول أعمالك؟
هل ألام على كثرة إنتاجي الأدبي، شجون مصرية صدر، وشجون عربية صدر، وشجون تراثية سيصدر الشهر القادم، ما أكتبه لا يستطيع شخص آخر أن يكتبه النص الذي يخرج من يدي أدبا أوفكرا لا يستطيع أحد أن يكتبه، ولا يوجد أحد في المنطقة العربية يكتب مثل ما أكتب.وأنا لا أكتب للناس، أنا أكتب للتاريخ وللزمن القادم، والأطفال الذين سيكبرون، أنا أصلا أعتبر إنتاجي قليلا، لأنني لا أقيس نفسي بمروجي الإشاعات هؤلاء، ولكني أضع نصب عيني ابن سينا وابن النفيس والسيوطي وهؤلاء إنتاجهم أكثر، وفي المعاصرين انظر إلى عبدالرحمن بدوي وسليم حسن وليس الذين يكتبون النصوص الأدبية في الكافيهات.
الجريدة الرسمية