رئيس التحرير
عصام كامل

ضرورة مراجعة فكر «البنا»


إذا استخدمت جماعة السلاح لاستخلاص ما تتصور أنه حقها أو لفرض أفكارها ورؤاها، أو بدافع الثأر والانتقام أو للوصول إلى السلطة، فهذا هو الإرهاب بعينه.. ومعنى هذا أن يتحول المجتمع أو حتى الدولة إلى فوضى تستباح فيها الحقوق، وتستحل فيها الدماء والأعراض والأموال.. بل تكون مطمعا للدول الأخرى المعادية لها، لغزوها واحتلالها واستحلال كل ما لديها.. ومن ثم، يجب أن تتصدى لها مؤسسات الدولة؛ خاصة الجيش والشرطة، بكل قوة وحزم، ومن خلال القانون.. والذي يتأمل سيرة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، يدرك جيدا أن الجماعة المسلمة في مكة لم تستخدم السلاح قط ضد قومها (وهم المشركون)، حتى تمت الهجرة إلى المدينة وأقيمت الدولة وصار لها جيش.. ولم يؤذن للمسلمين بقتال، إلا وفق شروط وقواعد وأسس معينة، أهمها على الإطلاق هو مواجهة أو رد أي اعتداء..


وبالتالي، فإن من يرفع السلاح في وجه إحدى مؤسسات الدولة، هو في الحقيقة يستهدف وقوع فتنة لا تبقى ولا تذر، لذا يجب أن يتكاتف الجميع لدحره، حماية لأمن وأمان المجتمع واستقراره.. والذي يثير الدهشة والاستغراب، اعتماد "البنا" استخدام ما أطلق عليه "قوة الساعد والسلاح"، وذلك لإزاحة الحكومة الفاسدة.. هذا في الوقت الذي يستبعد فيه الثورة ويعتبرها أعنف مظاهر القوة!

ففي رسالة "المؤتمر الخامس"، وتحت عنوان "الإخوان والقوة والثورة"، يقول "البنا": "هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم؟" يجيب على ذلك فيقول: "إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح".

والسؤال هو: ألا يعطى هذا أي جماعة أخرى الحق في الوثوب إلى السلطة متى امتلكت وسائل القوة؟! وما هو الوضع الذي يمكن أن تؤول إليه الدولة، إذا سمحت بذلك؟!

من العجيب أنه في نفس الرسالة وتحت عنوان "الإخوان المسلمون والدستور المصري"، يقول "البنا": "الواقع - أيها الإخوان - أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم. ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاما آخر"..

والسؤال هو: كيف يستقيم الحديث عن "قوة الساعد والسلاح" مع الحديث عن "نظام الحكم الدستوري"؟ وهل كان في الدستور المصري -حينذك- ما يفيد إعطاء حزب أو جماعة - أيا كان حجمها وانتشارها - الحق في استخدام السلاح للوصول إلى السلطة، مهما كانت الحكومة القائمة ظالمة أو مستبدة؟ اللهم لا.. وألا يدل ذلك على تناقض في فكر "البنا"؟
الجريدة الرسمية