«سيلفي» مع السادات
كنا صغارا، في المرحلة الابتدائية أيام حرب أكتوبر 1973.. بالكاد استوعبت عقولنا الغضة تفاصيل النصر العظيم.. طبعا كانت تصوراتنا ومخيلاتنا تخرج بنا عن حدود ونطاقات المعقول.. أياما جميلة ما زلت أذكرها، فاستشعر طعم حلاوتها في فمي، ويغمرني مذاق المتعة.
في أحد تلك الأيام الجميلة، فوجئنا بحراس بوابات المدرسة العتيقة، التي تتوسط أحد أهم أحياء شرق القاهرة الشعبية، يسارعون بفتحها على عجل.. استغربنا الموقف الذي لم نشاهده من قبل، وسيادة الناظر يهرول نحو الباب، لا ليمسك بتلابيب تلميذ يحاول الهرب، ولكن ليضرب "تعظيم سلام"، ويقف "انتباه" أمام سيارة شديدة الفخامة، داكنة اللون، تدخل من الباب نحو فناء المدرسة مباشرة، تتبعها عدة سيارات مشابهة.. وإذا براكب السيارة الأولى يترجل ويطأ بقدميه على رمل "الحوش"، قبل أن يظهر وجهه.. عرفناه على الفور.. إلا أننا تسمرنا في أماكننا.. منا من كان يلعب الكرة في حصة "الألعاب".. ومنا من كان ينتظر دوره "لتسميع" واجب النصوص.. وبعض التلاميذ "الخيبانين" كانوا يمتطون السور، متأهبين لمغادرة المدرسة، هروبا من عصا مدرس تنتظرهم.
حاولنا التحرك فلم تطاوعنا أقدامنا.. أو الهتاف فلم تخرج حتى الآهات من حناجرنا.. موقف لم نعايشه نحن ولا أباؤنا من قبل.. السيد رئيس الجمهورية في مدرستنا.. يا الله.. أي قدر رائع حبانا بهذا الشرف العظيم؟!
تمنينا أن نصافحه، أو حتى نلوح له.. الأيدي والأكف التصقت بجوانب "المريلة" الصفراء التي كنا نرتديها.. وكما اقتحم عالمنا فجأة، تحرك، واقترب هو منا.. لحسن طالعنا كنا في حصة "الألعاب".. فلم تفتنا اللحظة التاريخية.. صدمنا بتقديم يده لمصافحتنا واحدا واحدا.. ثم طلب منا الاصطفاف لالتقاط صورة "سيلفي".. وقفنا بجواره، وطلب من بعضنا الجلوس في وضع "القرفصاء.. ومن المدرسين الاصطفاف خلفنا.. وبمحموله، التقط الصورة.. ولم يمانع في أن نقلده نحن ونلتقط صورا لأنفسنا معه.
صورتنا مازالت تزين جدران البيت، بعد أن قمت بطبعها بعد تكبيرها.. وانتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي لدرجة أنها نافست الصورة الشهيرة لغرفة عمليات المعركة، والتي كان يظهر فيها عن يسار السادات، الفريق أول، وقتها، أحمد إسماعيل، وزير الحربية، والقائد العام للقوات المسلحة، نال رتبة المشير بعد النصر، ثم اللواء محمد على فهمي، قائد قوات الدفاع الجوي.. وعن يمين القائد الأعلى، الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس الأركان، ثم الفريق عبد الغني شرم الجمسى، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم اللواء فؤاد نصار، رئيس المخابرات في حرب أكتوبر.
المشكلة الوحيدة التي أعاقت تحقيق هذا الحلم، ونيل تلك الأمنية الغالية، أن جهاز المحمول لم يكن قد اخترع بعد !
رحم الله السادات؛ كان قائدا عملاقا.. ورئيسا استثنائيا.. كان يدرك تماما أهمية الصورة في حياة الناس، والمجتمع.