خريطة الوطن العربي الجديد..أمريكا ترسم «حدود الدم» وتستكمل الفصل الثاني من «ربيع العرب»..الأزمات تحاصر غالبية الدول..«الفوضى الخلاقة» تعود للمشهد في الجزائر..والسعودية عل
"حضارة دمرتها الخلافات العرقية والطائفية، لم يعد لها حساب أو وزن لدى القوى العالمية، ذكرها يرد فقط في الوثائق التي تكشف عن المخططات التآمرية، المتعلقة بالتدمير والتقسيم ونشر الفوضى والعنف".. إنها حضارة المنطقة العربية التي صدرت للعالم العلم وشهدت ميلاد البشرية وفيما يبدو أنها شاخت وحان وقت تشييعها إلى مثواها الأخير، بعدما تم حلب نفطها وثرواتها على مدى عقود، وتحولت إلى أمة بلا كبير يدخل جميع زناة الليل إلى حجرتها ويقف قادتها يستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها.
الربيع العربي
عاشت الأمة المغتصبة لعقود تحت حكومات استبدادية لقيت دعم الصهاينة والأمريكان، بهدف تأهيلها إلى انفجار شعبي كبير أطلقوا عليه ثورات "الربيع الربيع"، اختلطت الثورة بالمؤامرة وأصبح جسدها قريب الشبه بجسد الداعرة على قارعة الطريق، تم تجويع شعوبها بهدف فتح الطريق للمحتل ذي الوجه الناعم المعروف بـ"البنك الدولي"، وعلى خط القهر ذاته تم نشر الرعب بين شعوبها بثمين التنظيمات الإرهابية وتيارات الإسلام السياسي، بهدف بث الفرقة وإشعال فتيل المعارك المذهبية بين السنة والشيعة.
حدود الدم
الهدوء الحذر الذي تشهده المنطقة العربية، يمكن القول إنه لا يتعدى كونه مجرد استراحة من الشيطان الأكبر "أمريكا" -كما تسميها إيران- بهدف تجهيزها لاستكمال الجزء الثاني من الربيع العربي، وتطبيق خطة "حدود الدم".. الخطة التي وضعها المستشرق البريطاني اليهودي الأصل "برنارد لويس" لتفكيك الدول العربية والإسلامية إلى دويلات على أساس ديني وعرقي ومذهبي وطائفي.
في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، تم بدء تفعيل مشروع تفكيك المشرق العربي، بتعيين "لويس" مستشارًا لوزير الدفاع الأمريكي لشئون الشرق الأوسط، وبنى خطته عن طريق دفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطنيين والإيرانيين لمقاتلة بعضهم البعض وهو من ابتدع مبررات غزو العراق وأفغانستان.
الانتخابات الأمريكية
الأمور على ما تبدو عليه الآن، تشير إلى جاهزية المنطقة للانفجار واعتماد سياسة "كسارة البندق"، لتفتيتها طبقا لمخطط "لويس"، في ظل الاقتتال الدائر في سوريا والعراق والسودان واليمن وليبيا وحتى مصر لم تكن هي الأخرى بعيدة عن هذه الفوضى، أنجز تنظيم "داعش" الإرهابي مهمته على أكمل وجه، في المقابل تمركزت ميليشيات الشيعة تحت مسميات مختلفة "الحشد الشعبي" و"حزب الله" و"أنصار الله" وغيرها.
قذيفة التقسيم تنتظر الرئيس الأمريكي الجديد الذي سيخلف باراك أوباما في المكتب البيضاوي لإطلاقها، سواء كانت هيلاري كلينتون أو ذهبت أصوات الأمريكيين إلى صندوق دونالد ترامب، كعادة الولايات المتحدة التي تشن حربًا طاحنة في عهد رئيس، وتلتقط استراحة محارب بهدف تجهيز الفريسة بالفتن الداخلية حتى توقيع خلفه في البيت الأبيض على قرار الحرب.
تقسيم السعودية
المملكة العربية السعودية التي اعتقدت أن الثروة نجحت في امتصاص الثورة، بدت هدفا واضحا وصريحا في "الخطة ب" للربيع العربى، قانون جاستا الذي أقره الكونجرس الأمريكى – مؤخرا- لمعاقبتها على خلفية مزاعم تشير إلى تورطها في أحداث 11 سبتمبر، ما هو سوى بداية لسنوات دم قادمة داخل مملكة "آل سعود"، وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2013، كشف نية واشنطن تقسيم المملكة إلى 5 دويلات، "وهابستان" في الوسط، وأخرى في الغرب تضم مكة والمدينة وجدة، ودويلة في الجنوب، وأخرى في الشرق مع الدمام، إلى جانب دويلة أخرى في الشمال، بما يرجح أن يصبح اليمن بأكمله أو جنوبه على الأقل سيصبح جزءا من السعودية الجديدة.
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن "السعودية تواجه انقساماتها الداخلية المكبوتة التي بإمكانها أن تظهر على السطح جراء انتقال السلطة إلى الجيل المقبل من الأمراء، منوهة بأن "وحدة المملكة مهددة من قبل الخلافات القبلية والانقسام بين السنة والشيعة والتحديات الاقتصادية".
بعد مرور ثلاثة أعوام على نشر هذا التقرير، تكشفت جميع الخلافات في السعودية، وبالفعل طفى على السطح صراعهم بعد مباعية الأمير محمد بن سلمان نجل الملك، وليا لولى العهد الأمر الذي حلق غصة في نفوس أبناء العم بعدما استولى جناح "السديرية" على مقدرات الحكم، وكانت الرسالة المجهلة التي أرسلها الأمير أحمد بن عبدالعزيز إلى صحيفة "الجارديان" البريطانية، بمثابة دليل دامغ على "حرب الأمراء" المرتقبة على الحكم.
في ذات السياق، ظهر نفوذ التيار الشيعى في المنطقة الشرقية بقوة في ظل الدعم الإيرانى، الأمر الذي دفع الرياض لإعدام "نمر النمر" بهدف إجهاض مخطط الانقسام الذي دعمته أمريكا وتعاونت على تنفيذه معها طهران.
اليمن فيتنام الرياض
كافة الشواهد المتاحة حاليا تشير إلى أن القيادة الجديدة التي تولت مقاليد الحكم عقب رحيل الملك عبدالله تم توريطها في حرب اليمن المستهدفة بالتقسيم إلى دولة بالشمال وأخري بالجنوب، والتي تحولت بعد أكثر من عام إلى ما يمكن وصفه بـ"فيتنام الرياض"، والتي أنهكت اقتصاد المملكة وخلخلت حدودها، وفرغت الخزينة السعودية في صفقات تسليح مع القوى الغربية.
انخفاض أسعار النفط وتدمير خزانة الدولة في صفقات التسليح، جعل الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى السعودية الآن على أنها " حصان الخليج الواهن" بحسب وصف الكاتب البريطاني الشهير "باتريك كوكبيرن"، وباتت الفرصة مواتية للخلاص منها.
الأزمة الاقتصادية التي لحقت بإمبراطورية النفط، دفعتها أيضا لاعتماد إجراءات تقشفية لسد عجز الموازنة، الأمر الذي سهل على التقارير الأمريكية تحريض الشعب ضد قيادته بعد فقدان "الرفاة"، وعمدت الصحف الغربية خلال الشهور الماضية إلى دس السموم المحرضة على الثورة واستقبال الإطاحة بالعائلة الحاكمة بصدر رحب انتقاما منها على هدر ثروات الدولة في حرب أصبحت مشينة للسعودية بعدما أصدرت جميع المؤسسات الأمريكية بيانات ترحيب بها في بادئ الأمر.
المفزع في المسألة، أن المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتادت التمهيد لصانع القرار الدولى، بدأت هي الأخري حملة مشبوهة على الرياض، زاعمة ارتكابها جرائم حرب في صنعاء، واستخدام قنابل فسفورية ضد المدنيين، بما يوحى بوجود نية مبيتة لفرض عقوبات دولية أو المطالبة بالتحقيق مع أمراء الحرب أمام محكمة العدل الدولية.
سيناريوهات خطة التقسيم الجاهزة وضعت أيضا مسمى "تدويل مكة" بهدف نزع خدمة الحرمين الشريفين من العائلة المالكة ووضع الحج تحت رقابة دولية من جموع الدول الإسلامية، وإدارة المدنية بنموذج يشبه إلى حد كبير" الفاتيكان".
سيناريو المفيدة
ربما تكون السعودية هدفا صعبا في خطة "حدود الدم" لما تملكه من جيش منظم وقدرات تسليحية وهى أمور من شأنها على الأقل إطالة أمد التنفيذ، على العكس من سوريا التي باتت جثة موضوعة على طاولة التشريح الدولى.
وبدأ مصطلح "سوريا المفيدة" مرادفا لـ"التقسيم"، وبحسب تصور الأميرال الأمريكي المتقاعد، جيمس ستافريديس، والذي نشرته صحيفة "فورين بوليسي"، فإن المنطقة المركزية في سوريا المقسمة المستقبلة ستقع في دمشق ومحيطها، وسيكون منطقة علوية، وسيديرها بشار الأسد أو من سيخلفه، لكن مع مرور وقت وبعد إلحاق الهزيمة بمختلف الجماعات الإرهابية، سينتقل زمام السلطة في المنطقة إلى "نظام سني معتدل"، ترجح المتغيرات الآن أنها ستكون "حلب" في ظل التوغل التركى لدعم المعارضة المسلحة وتمكينها من إدارة إقليم حكم ذاتى.
كما ترجح خطة "ستافريديس" ظهور منطقة كردية في شرق سوريا، الأمر الذي لن ترضي أنقرة لأسباب واضحة.
وأشار أيضا إلى أن تقسيم سوريا قد يتحقق وفق سيناريو يوغوسلافيا، أي ظهور عدة دويلات بدلا من دولة موحدة، أو بحسب سيناريو البوسنة التي تحولت إلى دولة اتحادية، أو يكون وضعها كما في العراق، أي "اتحادية ضعيفة".
نهاية العراق
تقارير غريبة عربية كثيرة تحدثت عن السيناريوهات المستقبلية للعراق، لكن أقربها للتنفيذ الورقة البحثية التي قدمها المستشرق الإسرائيلى يارن فريدمان، قسم فيها العراق إلى أربعة إقاليم منفصلة.
الورقة البحثية الإسرائيلية أكدت أنه لا بد لإقليم الأكراد في الشمال، وآخر للقبائل السنية في الغرب وتحديدا في الفلوجة والموصل، وإقليم للشيعة المؤيدين لإيران في الشمال الشرقي في العاصمة بغداد، وإقليم رابع للشيعة القوميين الموجودين في الجنوب الشرقي بالنجف وكربلاء والبصرة.
تقطيع الخرطوم
حكومة الرئيس السودانى عمر البشير في العاصمة السودانية "الخرطوم"، تعتقد أن الهبة الخارجية عليها انتهت بانفصال الجنوب، غافلة النشاط الاستخباراتى المحموم بهدف اقتناص المزيد من الدويلات داخل الأراضى السودانية، وفى هذا السبيل بدأ سيل من التقارير المزعومة حول استخدام الجيش السودانى لأسلحة محظورة دوليا في "دارفور"، وبات من غير المستبعد أن يكون 2017 عام إعلان تقسيم الدولة إلى 5 دويلات بسياسة "لى الذراع"، وهى دارفور في الغرب، وشرق السودان، وجبال النوبة إضافة إلى الشمال والجنوب.
فزاعة ليبيا
ليبيا التي يري الغرب أنها تحولت إلى فزاعة إرهابية، ومخزن لتصدير الهجرة غير الشريعة، وعقب فشل الوساطة الأممية في الجمع بين الفرقاء بعدما أصبحت دولة برأسين، الإعلان عن تقسيمها أصبح ضرورة حتمية للسيطرة عليها وتحويلها إلى دويلات تحت الوصايا الدولية، مسميات هذه الدويلات تخطات مرحلة التكهنات وباتت معلنة بشكل رسمى وهى "برقة وطرابلس وفزان".
ونشرت صحيفة "إيل جورنالي" الإيطالية، مؤخرا، تقريرًا حول رغبة دول كبرى في الانتقال إلى المرحلة الثانية من خططها حيال ليبيا، بعد فشل محاولاتها لتوحيد فرقاء البلاد ضمن حكومة وحدة وطنية. ووفقًا لتقرير الصحيفة، فإن المرحلة الجديدة تتجه إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات، غربًا، وشرقًا، وجنوبًا.
المغرب والجزائر
المملكة المغربية والجزائر رغم نجاحهما في الهروب من دوامة الربيع العربى، ظلت قضية الصحراء المغربية شوكة في ظهر المملكة، يستغلها الغرب للضغط، ومؤخرا بدأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون استنهاض فكرة التقسيم التي سبق وأن طرحها سلفه كونى أنان كخيار للحل.
أما الجزائر باتت أقرب لسيناريو فوضوي خلاق في ظل تردي الحالة الصحية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وظهور مؤشرات على صراع مؤسسات أمنية في ظل سعى رجال الأعمال هناك لتمرير مخطط توريث شقيق الرئيس الأصغر السعيد بوتفليقة، وتهميش دور رجال القوات المسلحة والمخابرات الذين يحكمون سيطرتهم على الدولة منذ الاستقلال.
وتستغل فرنسا «فرحات مهني» زعيم ما يعرف بـ«حركة الحكم الذاتي للقبائل»، للدفع في هذا الاتجاه، وتشكل القبائل مجموعة أمازيغية كبيرة في الجزائر، وتتمركز في شمال وشرق الجزائر. ومنطقة القبائل صغيرة جغرافيا بالمقارنة مع نسبة سكانها الكبيرة، وأهم مدنها "تيزي وزو"، وتتميز مجموعة القبائل الأمازيغية بانخراطها الواسع في العمل السياسي من خلال الأحزاب السياسية ذات البعد الثقافي الأمازيغي المطالبة بالمزيد من الحقوق للأمازيغ، وأصبح انتظار الانفجار السياسي الداخلى في حالة رحيل زعيم الدولة ضوء أخضر للغرب لإعلان "دويلة البربر".
"نقلا عن العدد الورقي"..