رئيس التحرير
عصام كامل

«سيد قراره» لا يعيش على المعونات


تحولت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة للتناحر والشتائم و"المن"، فيما تسابقت برامج الفضائيات إلى الإساءة بالأداء الإعلامي المتهور والاندفاع وراء أي خبر قبل التحقق من مصداقيته، وللمرة المائة يقع الإعلام المصري في فخ أخبار وكالة "رويترز" البريطانية المعادية لمصر. فقد استغلت "رويترز" المشبوهة غضب السعودية من تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح المشروع الروسي، لتبث خبرا عن "إبلاغ شركة أرامكو الجانب المصري عن إيقاف توريد الشحنات البترولية المتفق عليها" دون إكمال باقي التفاصيل!!.


تلقفت البرامج المصرية الخبر وتعاملت معه بشكل سيئ، فمثلا إعلامية تؤكد أن "خلافات غير معلنة بين مصر والسعودية عطلت تدفق شحنات المواد البترولية، وأن معلوماتنا تفيد بأن أرامكو السعودية لم ترد على استفسار سبب تأخر شحنات البترول"!!

ويستغل إعلامي آخر الظرف ليزيد النار اشتعالا، وبما أننا في شهر محرم، استضاف خريج جامعة إيرانية يشتم الخلفاء الراشدين، ثم ترك له المجال للإساءة إلى السعودية واتهامها بأنها "الداعم الرئيسي لداعش والوهابية"!!.. وفي الوقت نفسه أجرى المتحدث باسم وزارة البترول المصرية مداخلة مع مقدم برنامج ثالث أكثر مهنية من سابقيه قال فيها أن "أرامكو السعودية أبلغتنا أن شحنة أكتوبر فقط هي المتوقفة ولم تفصح عن السبب، مع التأكيد أن التعاقد بيننا تجاري ولا دخل له بالسياسة".

وسط الاندفاع البرامجي كان التناحر على أشده في مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة الانسياق وراء الأخبار الكاذبة والمضللة التي يهدف أصحابها إلى إشعال الفتنة.. بدأت الأخبار بأن "السعودية تمهل المصريين 10 أيام لمغادرة المملكة عقابا لتصويت مصر لصالح روسيا".. وكأن دعم ومساعدة المملكة لمصر يرهن قرارنا بما تريده ويجعلنا تابعين لها كما كنا تابعين لأمريكا عشرات السنين!!. هذا طبعا لم يرض المصريين فبدأت حرب التغريدات والتلميحات و"المن" بالمساعدات.

لم تقتصر الحرب الإعلامية على العامة والمغردين من البلدين بل تعدتها إلى الإعلاميين وشخصيات بارزة كل يدافع عن موقف بلده، وإن لم يخل الأمر من إسقاطات معيبة في حق الجميع.. لكن أكثرها يرثي لحال مصر التي تعيش على المعونات والمنح والمساعدات السعودية والخليجية، ولولا ذلك ما استطاعت أن تجد ما يسد رمق شعبها!!

أما الكتاب السعوديون فركزوا على أن مصر ما كان عليها أن تنسى مواقف المملكة معها ودعمها السياسي والاقتصادي، وبدلا من أن ترد الفضل تنكرت وأيدت المشروع الروسي.. وإعلامي آخر رأى أن التصويت المصري في مجلس الأمن فيه ابتزاز للسعودية داعيا دول مجلس التعاون الخليجي للتوقف عن دعم ومساندة مصر واتخاذ إجراءات لمعاقبتها بترحيل المصريين العاملين في الخليج. فيما رأى كاتب ثالث أن مصر فقدت دورها القيادي منذ زمن، وأن محاولتها استعادة هذا الدور جعلها تتبنى "إستراتيجية التباين" واعتبرها مدخلا لكثير من الشرور، لأنها تتبع فيها القرار والسياسة الروسية، وأنها لم تجن شيئا في ملفات ليبيا وسوريا واليمن وكذلك مبادرة السلام التي اقترحتها على فلسطين وإسرائيل. واعتبر أن تصويت مصر لصالح المشروعين الروسي والفرنسي بمجلس الأمن "تأكيدا على انحراف خطير في بوصلتها الإستراتيجية".

مصر بررت موقفها من "التصويت المزدوج" لصالح المشروعين الفرنسي والروسي موضحة "إنها لن تخضع للمزايدات والمناقصات على حساب الدم السوري، بعد أن تحولت دولنا إلى ملاعب لتصفية الحسابات".

بنظرة فاحصة يمكن إدراك أن مصر أمسكت العصا من المنتصف، حافظت على علاقتها مع دول الخليج وفرنسا بالتصويت مع مشروع القرار الفرنسي، لأنها لا تستطيع الاستغناء عن دول الخليج ولا عن علاقتها مع فرنسا. كما أبقت على الروابط والعلاقات الإستراتيجية مع روسيا ومحورها المؤثر في الشرق الأوسط بالتصويت لصالح مشروعها في سوريا.

لم تهدأ الأزمة بين مصر والسعودية ورغم هذا أرسلت "أرامكو" أمس شحنة البترول، موضحة أن اتفاق "أوبك" تسبب في تأخير إرسالها.. وفي الوقت نفسه تقرر مصر إرسال وفد رفيع المستوى إلى المملكة لاحتواء الأزمة وإزالة أسبابها.

هذه الأزمة ستنتهي كسابقتها لكن تبقى النار تحت الرماد، وإذا أرادت مصر أن تكون "سيدة قرارها" عليها أن تركز على الإنتاج والعمل وتتوقف عن طلب المساعدات والمعونات والودائع من السعودية وباقي دول الخليج، فمن يعطي ينتظر الثمن أو على الأقل رد الجميل بالسير في ركابه وعدم مخالفة إرادته.
الجريدة الرسمية