رئيس التحرير
عصام كامل

الدول العربية من نعمة الوفرة المالية إلى فخ المديونية.. لبنان والأردن ومصر أكثر دول المنطقة استدانة.. 6% ديون السعودية بالنسبة للناتج القومي.. و1000 مليار دولار ديون العرب بحلول 2020

فيتو

تتجه غالبية الدول العربية إلى مزيد من الاقتراض بعدما كان قسم منها ينعم بالاحتياطات التي تقيها شر الشروط المجحفة لصناديق التمويل الدولية.

فهل تقع هذه الدول في فخ الديون أم تنجح في الإفلات منه عن طريق تنويع مصادر الدخل؟ في ظل تراكم جبال الديون في الدول العربية، لاسيما بعد تراجع أسعار النفط التي تشكل ما يمكن تسميته العمود الفقري للصادرات في معظم الدول العربية.

ويفيد تقرير لشركة "ستاندارد آند بورز" للتصنيف الائتماني بأن 11 دولة عربية بينها مصر والعراق ودول الخليج استدانت 143 مليار دولار خلال العام الماضي 2015 مقارنة بنحو 71 مليار دولار في عام 2014. وأشار التقرير إلى أن السعودية لوحدها اقترضت 26 مليارا من مجمل 40 مليارا اقترضتها دول الخليج عام 2015.

وتصدرت مصر القائمة باقتراض 44 مليار دولار في العام المذكور. ومع استمرار تدهور أسعار النفط يتوقع أن تقوم الدول المذكورة بمزيد من الاقتراض خلال الأعوام القادمة.

وإذا ما استمرت وتيرة الاقتراض على المستوى الحالي فإن إجمالي حجم الديون العربية المتراكمة الداخلية منها والخارجية سيرتفع من نحو 670 إلى أكثر من 1000 مليار دولار بحلول عام 2020. وستكون الزيادة الأكبر من نصيب السعودية التي تعاني عجز متزايد في موازنتها يتراوح بين 85 إلى 90 مليار دولار سنويا.

لبنان ومصر الأكثر مديونية
حتى الآن يقع عبء الديون الأكبر على لبنان والأردن ومصر والعراق والمغرب والبحرين إذا ما أخذنا نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فحسب نشرات مؤسسة التجارة الخارجية الألمانية بلغت نسبة الدين إلى الناتج في هذه الدول خلال عام 2015 على التوالي 139 و89 و88 و66 و64 و63 و54 بالمائة.

أما الناتج المحلي في هذه الدول على التوالي 51 و38 و330 و198 و103 و30 و44 مليار دولار. ومقارنة بمديونية معظم دول العالم بما فيها مديونية الدول الصناعية الكبرى فإن الدين العام في الدول العربية باستثناء لبنان والأردن ومصر وإلى حد ما العراق ما يزال في نسب تحت السيطرة أي دون 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

غير أن المشكلة تكمن حاليا في تراجع إيرادات مصادر خدمة الدين بفعل انهيار أسعار النفط وتراجع السياحة والصادرات الزراعية والصناعية في وقت ما تزال فيه الحروب والاضطرابات السياسية وضعف الاستقرار تعصف بغالبية الدول العربية.

ويزيد الطين بلة بالنسبة للصادرات العربية غير النفطية الإجراءات الحمائية المتزايدة التي تقوم بها الدول الصناعية لمنتجاتها الزراعية والاستهلاكية في وقت يشهد في الاقتصاد العالمي نمو ضعيفا بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وقد انتقد صندوق النقد الدولي هذه الإجراءات على لسان موريس اوبسفيلد، رئيس دائرة الشئون الاقتصادية في البنك بالقول: "يوجد في أوروبا والولايات المتحدة قوى سياسية تعمل على غلق الأسواق في وجه العولمة بدلا من الانفتاح على الدول الأخرى بشكل بناء".


حقبة الاقتراض
صحيح أن فرص الدول النفطية عامة في الحصول على مزيد من القروض أفضل من نظيرتها غير النفطية، بسبب احتياطاتها المالية وتدني نسبة ديونها إلى الناتج المحلي التي بلغت في عام 2015 على سبيل المثال فقط 6 بالمائة في السعودية و8 بالمائة في الجزائر.

غير أن تدهور أسعار مصادر الطاقة وتراجع أداء القطاعات التقليدية الزراعية منها والصناعية إضافة للأزمة السياسة تعني بالنسبة لجميع الدول العربية تقريبا مواجهة المزيد من الصعوبات للحصول على مزيد من قروض صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى.

ومما يعنيه ذلك فرض المزيد من الرقابة على مدى القيام بإصلاحات اقتصادية هيكلية وعميقة تشكل شرطا لتقديم القرض. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن لبلد عربي القيام بإصلاحات عميقة ذات تبعات اجتماعية قاسية إذا كان اقتصاده في تراجع أو يعاني الركود وليس لديه مصدر تمويل لشبكات أمان اجتماعية تحمي من اتساع دائرة الفقر والفاقة؟

ولعل مصر وتونس خير مثال على ذلك في الوقت الحالي كونهما في حاجة ماسة إلى مزيد من الاقتراض في وقت تدهورت فيه السياحة والإنتاج في العديد من القطاعات الزراعية والصناعية المحلية أو التصديرية. أما لبنان فإنه بحاجة إلى مزيد من الديون من أجل خدمة الدين المتراكم في وقت تراجعت فيه سياحته الدولية والمنافذ البرية لتجارته بفعل الأزمة السورية.

المنتج المحلي
يبدو أن الدول العربية وعلى ضوء ما تقدم تتجه تدريجيا نحو مأزق الوقوع في فخ الإدمان عليها وصعوبة الخروج من دوامتها مع ما يترتب على لك من تبعية سياسية واقتصادية إذا لم تبادر لاتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف وتيرة الحصول عليها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف السبيل إلى ذلك؟ خلال العقود الثلاثة الماضية ارتفعت بشكل مضطرد ومخيف فاتورة واردات الأغذية والألبسة والسلع الاستهلاكية البسيطة التي كانت تنتج محليا على نطاق واسع أو أوسع في مصر وسوريا والجزائر وتونس والمغرب.

وتذهب التقديرات الإحصائية المتوفرة إلى أن هذه الفاتورة تشكل نسبة تصل إلى ثلث الواردات في بلدان مثل تونس والمغرب ومصر والأردن مقابل نسبة قد تصل إلى النصف في الدول العربية النفطية.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن جميع الدول العربية تحاول تنويع مصادر دخلها، فإن إعادة إحياء الزراعات والصناعات المحلية الموجهة للاستهلاك الداخلي تشكل المخرج الوحيد حاليا لتقليص فاتورة الواردات والحد من الاقتراض.

ومما يتطلبه ذلك تشجيع الإنتاج المحلي من خلال توفير القروض والاستشارات ومستلزمات الإنتاج بشكل ميسر. كما يتطلب إجراءات حمائية للمؤسسات الناشئة ريثما تقف على أقدامها في وجه المنافسة.

في هذا السياق يحضر قول جبران خليل جبران إلى الواجهة عندما كتب "ويل لأمة تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر.."

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية