رئيس التحرير
عصام كامل

من داخل الخارجية المصرية


عشت أعوامًا قليلة داخل الخارجية المصرية، رأيت وزراء عدة، اختلف أداء كل منهم لا شك.. ولكنهم جميعًا اتفقوا في التفاني والوطنية، والصدق، والحقيقة أن وزارة الخارجية المصرية لها ما لها، وعليها ما عليها، مثلها مثل أي مؤسسة مصرية، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر دورها في تحسين المشهد المصري الملتبس بعد ثورة 30 يونيو، ولا أحد ينكر دورها البارز في تنفيذ السياسة الخارجية للقيادة السياسية بحرفية شديدة وخبرة وحنكة مفرطة، كما لا ننكر أنها كانت معولًا رئيسيًا من معاول بناء المكانة المصرية التي هدمتها الثورات المصرية وما تبعها..


لفت انتباهي مؤخرًا الطفرة الإعلامية التي شهدتها أروقة وزارة الخارجية في الأشهر القليلة الماضية، المتابعون لوزارة الخارجية المصرية ودورها في المنطقة سيلحظون دون تعب أن وزارة الخارجية استطاعت أن تبني لنفسها مؤسسة إعلامية قوية ونافذة على صفحات التواصل الاجتماعي، وصلت لدرجة أن تغريدة واحدة من المتحدث الرسمي للخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد على "تويتر" عقب حادث سقوط الطائرة المصرية بعد إقلاعها من مطار باريس هزت عرش مصداقية إمبراطورية إعلامية شامخة مثل cnn، التي سعت بكل السبل للقاء وزير الخارجية سامح شكري لرأب الصدع وتصحيح الخطأ..

من وراء تلك الاستراتيجية الإعلامية التي كانت الخارجية المصرية صاحية السبق فيها دون مؤسسات الدولة جميعا؟ الحقيقة أن وراءها عقولًا قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة وكان المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية هو المايسترو لهذه السيمفونية المبهرة، صاحب البصمة الساحرة والقيادة الرشيدة، الحقيقة أننا هنا يجب أن نضع نقطة.. ومن أول السطر.

المكان.. مطار صوفيا

الزمان.. ليس مهمًا.. ولكنه يتواكب مع الأحداث التي نتحدث عنها.

الموضوع.. شباب زي الورد عائدون بعد رحلة عمل استمرت لـــ 26 يومًا في السفارة المصرية في صوفيا ورومانيا.

المهمة.. تدريب العاملين هناك على استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا في عمليات الرصد والتحليل وتجميع البيانات وسرعة الاتصال.. والتواصل الدائم مع الشبكات المركزية، والدولية، وكل ما له علاقة بتكنولوجيا المعلومات المتصلة بالعمل الدبلوماسي للخارجية المصرية.

مشروع رائع.. نرفع له القبعة.. هذا ما قاله صديقي بعد أن استمع للشباب العائد من مهمته الرسمية.. وكان فخورًا حين سمع منهم قصة 30 شابًا من خيرة شباب مصر.. تم اختيارهم بعناية فائقة.. وبعد اختبارات صعبة.. ومضنية.. وأنفقت عليهم الخارجية آلاف الدولارات ولم تبخل عليهم وأوفدتهم للتدريب والدراسة في جامعات أوروبا.. وأمريكا..

الحقيقة أن الخارجية قررت أن تستثمر في ثلاثين من الشباب الواعد.. وتستغل طاقاتهم حتى تكون بقوة الخارجية الأمريكية، ليت كل مؤسسات الدولة تحذو حذو الخارجية المصرية في هذا الاتجاه.. هذا كان إحساس صديقنا وهو يستمع للشباب.. وابتسامة الفخر تعلو قسماته دون تردد.. إلى أنه بادره أحدهم.. لا داعي لهذه الابتسامة.. فجميعنا تكدسنا في عدة غرف قليلة.. ومنذ أن انتهت فترة إيفادنا للتدريب والدراسة.. لا نفعل شيئًا..

ولو وضعنا خططًا وأفكارًا.. لابد أن تعرض على الوزير من خلال قياداتنا.. التي ربما لا تستطيع العرض برؤية متكاملة لأنه ببساطة شديدة لم يدرس ما درسناه.. ولم يحصل على ما حصلنا عليه.. واستطرد آخر.. دخلت لإحدى السفيرات.. رئيسة أحد أهم القطاعات بالوزارة.. وجدتها خلف أكوام من الأوراق والملفات.. عرضت عليها أن أخلصها من تلك الأكوام لتتعامل معها إلكترونيًا.. وكان ردها صادمًا حتى أنني خرجت أجر أذيال الخيبة دون أن أعرض عليها خطة تطوير القطاع التي أعددتها.. قالت السفيرة "وكيف لجهاز الكمبيوتر أن يحمل كل تلك الملفات؟؟".

علامة استفهام كبيرة تفرض نفسها الآن.. كما فرضت نفسها من قبل حين علمت أن إحدى المؤسسات السيادية أنفقت ملايين على أحد أبنائها.. وحصل على دورات تدريبية تؤهله لأن يكون جيشًا وحده.. وبسبب خطأ يمكن احتواؤه.. تخلت عنه.. وأصبح الآن بفضل ما أنفقت عليه أخطر إرهابي.. ويهدد عرش المؤسسة التي بنت إمبراطوريته..! متى نتعلم الدرس؟
الجريدة الرسمية