رئيس التحرير
عصام كامل

جولدا مائير: حرب أكتوبر مصيبة كبرى!


"السادس من أكتوبر" سيظل من أسعد وأجمل الأيام على النفس، على كل نفس عربية عامة والمصرية خاصة، لأنه انتزع من داخل الصدور هما ويأسا وجرحا ما كان أن يطيب إلا بالدم، يوما انتظره الملايين من الشعب العربى، وأتصور أكثر الناس سعادة من عاش حالة الانكسار التي أصابتنا بشدة في 5 من يونيو 67، الحرب الذي تصور البعض أنها مجرد نزهة لتل أبيب ولكنها كانت هزيمة منكرة أضاعت الكثير من الأحلام معها، كما أضاعت الكثير من الأراضي العربية، وتصورنا أننا نعرف عدونا، ولكن حرب 5 يونيه أكدت أننا لم نكن نعرف عنه شيئا، كنا نعتقد أن الجيش الصهيونى مرتزقة ولكن نسينا أو تناسينا أن العدو الصهيونى قادم من تجربة الحرب العالمية الثانية، التي أعطته خبرة وقوة ليست متوفرة في جيوشنا العربية التي خاضت معارك لا تذكر، في 56 العدوان الثلاثى لم نحارب، حرب اليمن كانت أشبه بحرب العصابات، ولهذا كانت الهزيمة مؤكدة لهذه الأسباب وغيرها.


الحقيقة لن أيأس مطلقا من البحث في أوراق الماضى واستحضار التجارب عسى أن نستفيد، في مذكرات رئيسة الوزراء الصهيونية جولدا مائير"حياتى " في النسخة المترجمة (عن طريق الأستاذ منير بهجت حيدر والأستاذة سمية أبوالهيجا -الصادر1988) لفت نظرى بعض الأشياء البسيطة جدا وأراها مهمة جدا، فهى اليهودية الروسية الأصل(الولد 1898)،هاجر والدها إلى أمريكا، ولحقت به بصحبة والدها وإخواتها (عام 1906)..عندما تقدم لها مائير سون للزواج (عام1921) كان شرطها الهجرة إلى فلسطين، ووافق وتزوجا وأنجبت منه ولدين!

هذا الأمر البسيط يكشف ماذا كان يعد اليهود في العالم..وماذا كنا نفعل؟ كانوا يخططون لزراعة دولتهم من عام ميلاد جولدا مائير(1898) وكنا نعطى لليهود حقوق لا فرق بينهم وبين المسلم والمسيحى؟ كانوا يجمعون الأموال من العالم لبناء جامعة في تل أبيب في العشرينيات.. ونحن نذهب لنبارك لافتتاح جامعة للعلم والعلماء! بل هناك أعلام تعاملت بسذاجة بالغة مع اليهود ومنهم أحمد لطفى السيد وطه حسين، حتى زعيم الأمة كان يعتبرهم أبناء عمومة ولا فرق بيننا وبينهم!

أيضا في الوقت الذي كنا نعطف على اليهود في الصحافة العربية والوقوف بجانبهم ضد المستبد هتلر كانوا هم يواصلون التدبير والتخطيط لجلب وليس مجرد تعاطف، تقول جولدا مائير: لقد استطاعت الوكالة اليهودية جمع 150مليون دولار كانت السبب لتحقيق النصر في 48! لابد أن نعترف بسذاجة وتواضع تفكيرنا هو السبب الأول لضياع فلسطين..وهزيمة 67!

وأيضا في مذكراتها قالت مائير عن حرب أكتوبر المجيدة: من بين جميع الأحداث التي عالجتها في كتابى هذا، لم أجد صعوبة في الكتابة كصعوبة الكتابة عن حرب تشرين الأول(أكتوبر) سنة 1973-أي حرب يوم كيبور، ولكنها حدثت. وهى تشكل مصيبة كبرى أو هاجسا مقلقا كنت عشته وسيبقى دائما في فكرى!

باختصار شديد السيدة جولدا مائير تعترف بأن حرب أكتوبر مصيبة كبرى!

تقول مائير: كانت كل المخاوف من هجوم مصرى سورى مستبعدة، بالرغم من الأخبار التي تؤكد سفر أسر الخبراء الروس في سوريا، وكل الأخبار تؤكد عدم خطورة الموقف خاصة العسكريين أكدوا هذا وخاصة دايان وزير الدفاع! وتضيف أن مستحيلا أن نتوقع ذلك في يوم كيبور الذي يعد أقدس أيام اليهود لأنهم يصومون عن الأكل والشرب وقضاء اليوم في الكنيس طالبين الغفران لهم عن خطاياهم ورزائلهم طول العام!

ونعلق على هذا بأن اختيار هذا اليوم يعتبر أن العرب لأول مرة يتعلمون من سوابقهم مع العدو، كما اعترفت كل المصادر الأمريكية والكيان الصهيونى وحتى العربية بأن موعد الحرب كان أمرا مذهلا ومفاجئا للجميع.

ويعلق على ذلك اللواء طه المجدوب واللواء البدرى مؤلفا كتاب "حرب رمضان" أن 43 خدعة تمويه قد استخدمت من أهمها قرار تسريح 20 ألف جندى من الاحتياطي ونشر أخبار عن العمرة وحضور كبار الضباط الاحتفالات الدينية.!

ويضيف اللواء المجدوب: استغلت إسرائيل انشغال العرب بأمورهم الداخلية فخسرنا 67 فى 6 أيام، وها قد تعلمنا من إسرائيل، فكانت حرب 73 مفاجأة أدهشت العدو الاسرائيلى والعالم كله لدقة الرؤية والتخطيط السليم، مما أجبر العالم على تغير رؤيته للإنسان والجندى العربى فأطلقوا عليه المقاتل!

وقبل أن ننتهي لابد أن نذكر أن تقرير اجرانات (لجنة تقصى الحقائق للعدو) وكتاب "التقصير" أكدا عنصر المفاجأة المذهلة لهم!
ستظل روح أكتوبر هي الأمل للقضاء على مشاكلنا، عبور القناة كان أمرا مستحيلا، وتحطيم خط بارليف أقرب للاستحالة، وإجبار الكيان الصهيونى على الاعتراف بالهزيمة لجيش لا يقهر، ولكن بروح أكتوبر الشعب والجيش حققوا المستحيل.. كل سنة ومصر طيبة وتحيا مصر!
الجريدة الرسمية