من عربة المترو.. لعربة الخيار..أررركب الهوا!
نظام يدفعك للغلط.. هكذا كنت أتمتم بصوت هامس في عربة المترو.. شيئا فشيء بدأت نبرة صوتي ترتفع قليلا وأنا أفكر في أسعار الضروريات، ثم سرحت في موسم الدراسة الذي داهمنا في غفلة منا وبدأت في حساب أعباء الدروس الخصوصية وملحقاتها من مصروف العيال والمواصلات والمذكرات وخلافه، ولاحظ أن خلافه هذه ربما تكبد ميزانيتي ما لا تتحمله ميزانية حكومة شريف إسماعيل!
لم أفطن لصوتي الذي بدا أنه تناهى إلى مسامع الجالسين في آخر العربة.. وبعفوية قلت حكومة ظالمة ونظام مش في دماغه.. ثم رفعت رأسي قليلا لأصطدم بوجه رجل بحجم الكشك مصَوِّبا نظرته نحوي بتكشيرة تقطع الخَلَف ويسألني: نظام مين ياأخ؟.. قلت: "نظام قباني" الشاعر يا باشا.
مر الموقف بسلام، لكن دعوني أطرح حالة غريبة أعاني منها الآن.. الحالة باختصار هي أنني أقف منتصبا عند سماع السلام الوطني وأردد مع الموسيقى بصوت مرتفع وكله حماس بلادي بلادي لك حبي وفؤادي.. ثم أذهب إلى السوق وتنتابني حالة شديدة الغرابة، إذ أقف أمام عربة "الخيار" بالذات، والذي وصل سعر الكيلو منه إلى أربعة جنيهات، ثم أمسك بأكبر خيارة وأرفعها عاليا، وأنشد بأعلى صوتي "ما تقولش إيه ادِّتنا مصر؟".
وتستمر الرحلة من المترو إلى السوق إلى عش الزوجية، حيث يأتيني صوت العندليب يغني إنت حياتي وابتساماتي وإنت النور للعين والقلب، وأقول وإنت النور والغاز والمَيَّه، فترمقني الوليَّة بنظرة كلها إيحاءات غير مريحة، ثم تتمتم بوقاحة: جتك وكسة وأنت آخر دَهْوَلَة زي الجنيه.. أبثها همومي وأحاول استدرار مواساتها لإحساسي بالعجز وثقل الأعباء فتقول المفترية: بلا نيلة وانت بقيت ملطشة زي النيل.
وإذا حلم ابنها وقال نفسي أجيب سوبر كرانشى، وكوردون بلو، وسوسيس مكسيكانو، وشيش طاووك، وتشيكن زنجر.
تقول له: هو احنا عارفين ننام لما تجيب الكلاب دي كلها في البيت؟!
ياريت حضرتك تركز معايا شوية، كي تدرك كيف أصبحنا نحن الأزواج ملطشة لعجزنا عن مواجهة الحياة بظروفها الطين... أشكو لصديقي بدهشة وحيرة قائلًا: لا أدري إن كانت تهيؤات أم واقعا يا صديقي؟!.. لقد شعرت أن زوجتي صفعتني على قفاي لكن لم تبدر مني أي ردة فعل وكأنني أحلم!.. فيقول لي: لا تنزعج.. إذا أكلت أول قفا ولم تشعر بأثره، خذ القفا الثاني، وإذا لم يأتِ بنتيجة، فدعها ترزَعك القفا الثالث، لأن الأمور لا تتضح إلا بعد عدة تجارب.
وذات مرة والحديث عن الأسعار لا ينقطع..اعتدت التندُّر على تفاوت أسعار الملابس نتيجة جهلي بآليات السوق وأسرار الصناعة ودهاليز التجارة.. من بين نوادري كان الصديق يتحدث عن انخفاض أسعار ملابس السيدات بسبب سياسة حرق البضائع أي بيعها ربما بأقل من سعر التكلفة لتوفير سيولة لسداد ديون وما شابَه.
قال لي ذات مرة:
ــ تصدق سعر لا مؤاخذة "المَشَد" خمسة جنيهات فقط.
فسألته غير مُصَدِّق:
ــ تقصد الفَرْدَة؟!
تمر الأيام وتتخطى أسعار تلك الملابس حاجز الألف جنيه حسبما سمعت، فقررت الاستعباط ورويت لصديقي هذا، موقفا تعرض له رجل من هواة جمع الملابس النادرة!
قلت له: هذا الرجل شاهد لافتة مبهرة خطفت عينيه في فاترينة محل ملابس فخمة، مكتوب عليها "مشد بألف وخمسمائة جنيه والكمية محدودة".. دخل الرجل ودفع المبلغ وحمل المشد داخل حقيبة شيك.. في البيت كاد يسقط مغشيا عليه من الصدمة بعد أن خاب أمله.. اكتشف أن المشد أبو ألف وخمسمائة جنيه فاضي!