رئيس التحرير
عصام كامل

«جاستا» قانون أمريكي جديد لإرهاب الدولة


يواجه العالم صورًا عديدة من الإرهاب متعددة الأسباب والمصادر، ونتيجة لإفرازات بيئة داخلية لبعض البلدان، وحالة البيئة الخارجية الدولية غير العادلة، باتت محاولات البحث في جذور الإرهاب قبل الحلول عملية مضنية، وبدلًا من التزم القوى الكبرى بالاتفاقيات والمعاهدات والاستراتيجيات لمواجهة ومكافحة الظاهرة الإرهابية، توجهت بعض هذه القوى إلى منحى آخر، وهو إدارة الإرهاب من منطلق براجماتي من خلال إدارة المصالح بالأزمات.


وكانت المشاهد الدولية مؤسفة بين تدخل دولي لدعم نظام يرفضه شعبه في سوريا، أو دعم جماعة طائفية تريد القفز على الشرعية في اليمن، أو تمويل تنظيم إرهابي دولي يصر على إسقاط الدولة المصرية، وخلف هذا الدعم والتمويل الذي لا حدود له، كانت استراتيجية الفوضى الخلاقة التي خططتها ورعتها الخارجية الأمريكية، باعتراف السيدة هيلاري كلينتون في مذكراتها الأخيرة الاختيارات الصعبة، وهناك حقيقة لا ينبغى إغفالها أن الولايات المتحدة وهى التي صنعت الإرهاب سواء من خلال دعمها المطلق لإسرائيل أو من خلال إدارتها الحرب الباردة في الربع الأخير من القرن الماضي، وتحديدًا بعد غزو روسيا أفغانستان، وأخيرًا تغاضيها المتعمد عن تدخل إيران في الشئون الداخلية لدول الإقليم دعمًا للتطرف والإرهاب.

مما سبق يمكن لنا أن نصف الواقع بأن الولايات المتحدة تمارس إرهاب الدولة، تماشيًا مع ممارسات إسرائيل وإيران في المنطقة، والمقصود بإرهاب الدولة هنا هو ما تقوم به دولة من عمليات إرهابية تتدرج من الابتزاز إلى ممارسات ضغط وتهديد خارج إطار الشرعية الدولية، ويحرمها القانون الدولي، كما يمكنك الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال دعم وتمويل وتأييد ضد نظام يمتلك الشرعية من قبل دولة رافضة له أو الاعتراف به.

وقانون "جاستا" ليس إلا أحد سيناريوهات إدارة الإرهاب على المستويين الدولي والإقليمي معًا.. فالقانون لا يشير إلى دولة بصفتها بل يوجه الاتهامات إلى أفراد ومنظمات ودول، ويؤطر لذوى ضحايا أحداث مقاضاة الدول الضالعة في رعاية الإرهاب، وهو ما يعني بالضرورة العودة إلى جنسيات المتورطين في إرهاب سبتمبر، ورغم أن كل التحقيقات الأمريكية أثبتت أن تنظيم القاعدة هو المدبر والمنفذ لتلك الجريمة، ولا يوجد هناك دولة متورطة في هذه الجريمة على الإطلاق (وهو ما أكدته إحدى لجان الكونجرس الأمريكي ذاته).

وينص قانون "جاستا" المسمى "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" الصادر عن مجلس الشيوخ في الكونجرس في المادة (3) فقرة (ب) عن مسئولية الدول الأجنبية، مؤكدًا أنه "لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطة القضائية للمحاكم الأمريكية في أي قضية يتم المطالبة فيها بتعويضات مالية من دولة أجنبية، نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو وفاة... كما تؤكد المادة نصًا عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر عن دولة أجنبية، أو أي مسئول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة تولية منصبه، وسواء إذا كانت العمليات التقصيرية أو أفعال الدولة الأجنبية قد حدثت أم لا (وهو ما يعنى أن هناك دولا وأشخاصًا سوف تسأل سواء الفعل تم أو لم يتم) كما تنص المادة (5) عن وقف الدعاوى لحين الانتهاء من المفاوضات مع الدولة أو الدول المعينة (وهو فتح باب الابتزاز السياسي اللا محدود)، وتبلغ دائرة الابتزاز السياسي قمتها نصًا: بأن توقف الدعوى ضد دولة أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعى عليها بغية التوصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة.

ومن تحليل بنود نص القانون يتضح أنه تعدٍ صريح على القانون الدولي من حيث انتهاك حقوق السيادة القانونية، وممارسة الكونجرس سلطات على حساب ما أصدرته الأمم المتحدة من قرارات، وهو ما يعد معول هدم منظومة القانون الدولي المستقرة، ومدعاة لقوى التطرف والإرهاب أن تتحول إلى قوى ضاغطة على حكوماتها لابتزازها هي الأخرى، من خلال توريطها في جرائم إرهابية.

وبقراءة أولية على مستوى القانون الدولي فإن القانون أقسى تعبير لانتهاك حقوق السيادة، وإسقاط الحصانة عن الدول، وإقصاء متعمد لسلطة الدولة وسيادتها، كما أنه يهدم مبدأ عدم التدخل، فقد أشارت فقرة (7) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة لعدم التدخل في الشئون الداخلية، وهو ما أيدته الجمعية العمومية في إعلانها ديسمبر 1965 حول عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية، وحماية استقلالها وإعلان آخر في أكتوبر 1970 تضمن مبادئ سبعة أهمها حظر التدخل السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي... وفى هذا السياق يمكن لعلماء وفقهاء القانون أن يدلوا بدلوهم.

يعد القانون "جاستا" نقلة نوعية من الابتزاز السياسي المعهود الذي نراه داخل أروقة الأمم المتحدة إلى الابتزاز الاقتصادي الجديد، خاصة إذا علمنا أن بعض الدول المستهدفة من القانون تبلغ حجم ودائعها وأذونات الخزانة من أرقام التريليون.

إن فتح أبواب المحاكم الأمريكية لمقاضاة الدول سيكون خنجرًا لطعنها دون قتلها، بغية تحويلها إلى دول فاشلة تمهيد لشطبها من خريطة المجتمع الدولي، ودعوة جديدة لإحياء استراتيجية الفوضى الخلاقة خاصة ضد الدول التي صمدت أمامها، ولكن بآليات إرهاب الدول الكبرى.

نحن أمام معركة ليست سهلة، ونحن هنا أعني بها دول العالم الثالث والدول الصاعدة التي تريد الولايات المتحدة قطع طريقها عنوة وعرقلتها عن التقدم أو التنمية والازدهار، وعلى مستوى الشرق الأوسط تريد الولايات المتحدة أن يموت الجميع، وتحيا إسرائيل وإيران بوابتا التحالف الغادر كما جاء في مقدمة كتاب التحالف الغادر 2008 م لمؤلفه "تريتا بارسي" أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز".

ولابد من وقفة بفتح ملفات الإرهاب الأمريكي قانونيا أمام المحاكم الدولية عما ارتكبته الولايات المتحدة من جرائم ضد الإنسانية متمثلًا في إرهاب الدولة سواء في الصومال 1992/ 1995 – وفى كوسوفو 1999 – وفى العراق 2003 وفى ليبيا 2011، وفي سوريا منذ اندلاع ثورة شعبها وحتى الآن – هذا غير الصمت والفيتو ضد الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، فقد تعبنا من عدد السنين وعدد الجرائم، ويبدو أننا لم نتعلم من دروس ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ تخليها عن شاة إيران 1979 وعن مبارك 2011 – وتخلصت من عملائها سواء صدام أو القذافي..!!

إن في ساحة القانون الدولي متسع للاجتهاد؛ لإيقاف الغطرسة الأمريكية التي فاقت الحدود، وتحولت إلى دولة راعية للإرهاب بالأدلة والقرائن الدامغة، وبآليات من مؤسساتها ومناورة من رؤسائها والدعوة مفتوحة لفقهاء القانون الدولي للتدخل لوقف سيناريوهات الإرهاب الأمريكي الجديد !!

وفى هذا السياق مطلوب تحرك عربي سواء على كل الأصعدة طالما بلغنا بيت القصيد ولو حتى بالإشارة، أو جس النبض من مجلس التعاون الخليجي، أو الجامعة العربية، أو الاتحاد الأفريقي، أو منظمة عدم الانحياز، أو منظمة المؤتمر الإسلامي...لابد لنا أن نوقف الكاوبوى الأمريكي عن ابتزازه بموقف عالمي موحد.
الجريدة الرسمية