رئيس التحرير
عصام كامل

أحد أبطال أكتوبر: «لم يكرمني أحد وبحلم بعمرة أو حج قبل ما أموت»

فيتو

تكرم الدولة الجندى المجهول سنويًا وتضع أكاليل الزهور على قبره في ذكرى أكتوبر المجيدة كما يتم تكريم أبطال بعينهم سنويا، والحقيقة أن هناك جنودا مجهولين آخرين أحياء تجاهلتهم الدولة ولم تكرمهم بأى شيء.


فهناك قصص وحكايات يرويها أبطال حرب أكتوبر عن كيف تغلبوا على اليأس واﻹحباط ورفضوا الهزيمة وحولوها إلى انتصار عظيم.

الجندى سليم عليان سالم عريف واحد من هؤلاء وهو من مواليد مركز القصاصين بمحافظة اﻹسماعيلية التحق بالتجنيد في 7/7/1964 وكان عمره وقت حينئذ 19 عاما وكان من المفترض أن ينهى خدمته في القوات المسلحة بعد ثلاث سنوات، ولكن تمت التعبئة نظرًا لظروف الحرب التي كانت تعيشها مصر، ولم يبخل عريف عن واجبه تجاه بلده واستمر في الجيش حتى عام 1974، في سلاح المدفعية 85 تحت الأشعة الحمراء.

يقول: "سليم عليان" إنه قضى أكثر من 9 سنوات في الجيش وسط نيران العدو الصهيونى وقذائفه، مشيرًا إلى أنه شارك في نكسة 1967، وحروب الاستنزاف، وحتى الانتصار العظيم في أكتوبر 1973، وأنه رأى خلالها العديد من الصعوبات، وكادت حياته أن تنتهى لأكثر من مرة.

وروى "الجندى سليم" ذكرياته أثناء حرب 1976، فأشار إلى أنه كان في رفح عندما تم تدمير المطارات المصرية بالكامل، ووقتها شعروا بخيبة الأمل والفشل وجاء قرار الانسحاب، فتراجعنا إلى الأراضى المصرية في 15 يومًا سيرا على الأقدام.

وتعرضنا خلالها لمذبحة من جنود الاحتلال الذين كانوا يستوطنون في مستعمرات بين الجبال، قضوا على جميع أفراد الكتيبة ولم يبق سواى.

أضاف: "شعرت حينها بالوحدة، ولكني لم أخشَ الموت، ولكن كان كل خوفي أن أقع أسيرا في أيديهم، فمثلت أننى مت ونمت إلى جوار الجثث".

وأضاف أن قوات الاحتلال بدأت ضرب النيران في الجثث المتواجدة للتأكد من وفاتهم جميعًا، فأخذ جثث زملائه ووضعها فوقه للاحتماء من نيران العدو الصهيوني، وعقب أن انتهوا وتوقفت النيران ذهبت في الصباح إلى جبل وحفرت حفرة، دفنت نفسي بها 12 ساعة لحين غروب الشمس، شعرت خلال الـ12 ساعة بمرور الدبابات من فوقى، وعقب اختفاء دبابات إسرائيل من المنطقة، سرت مسافة كبيرة بين الجبال التي تملأها جثث المصريين حتى التقيت بجنديين مصريين آخرين، وسرت معهما مشيرًا إلى أنه عند سيرهم ليلا كانوا يشعرون بأن أقدامهم تطأ العديد من الجثث.

وتابع "سليم" ذكرياته قائلا إنه أثناء سنوات حروب الاستنزاف وبقائه مع كتيبته في حى الجنايين بالسويس بالقرب من خط بارليف، مشيرًا إلى وجود تعليمات بعدم ظهورهم طوال النهار تجنبا لاستهدافهم من قبل الصهاينة، وكان ظهورهم بليل فقط لضرب وتتبع لدوريات الجيش الإسرائيلى، مشيرا إلى كم المعاناة التي كان يعيشها، حيث ظلوا لمدة 3 أشهر محاصرين من الجبش الصهيونى، مؤكدًا أن إسرائيل تقدمت بعرض لقائد الكتيبة، أن يسمحوا لنا بفك الحصار والرجوع إلى مكاننا ولكن بشرط "النزول بتصريح أسير، ونزولنا بدون بيادة" ولكننا رفضنا واستمر صمودنا في وجه العدو الصهيوني، رغم الحياة الصعبة التي عشناها حيث لم تتوافر المياه إلا القليل منها، فكانوا يقومون بتحليل مياه قناة السويس، بوضعها في تنكات السيارات وتركها بعد تسخينها باﻹضافة إلى فرش المشمع عند نزول المطر وتجميع المياه في جراكن بعد ذلك.

ومن الطرائف التي مر بها عريف، أن أهله فقدوا الأمل في رجوعه، وأقاموا سرادق عزاء له بعد غياب أكثر من ثلاث شهور وعدم التواصل معهم بأى وسيلة، ولكن بعد عودته بعد حرب 73 تحول المأتم إلى فرح.

وأكد "العريفي" أن قرار الحرب جاء بذكاء شديد، لم يكن أحد يتوقعه من القادة الإسرائيليين، مشيرا إلى أن مع كل كلمة الله أكبر كانت تقال أثناء العبور، تظهر في السماء مجموعات كبيرة من الطيور تجوب سماء سيناء الحبيبة، وعدت لأهلي سالما غانما ورايات النصر في كل مكان.

أما حياة "سليم عليان العريفى" بعد الحرب فاختلفت كثيرا، حيث وجد نفسه عاملا بإحدى مدارس بلدته بمرتب 3.5 جنيهات وتزوج بهم وأنجب ثلاثة أولاد وبنت عانى معهم حتى تخرجوا من الكليات، لحين خرج على المعاش ومرتبه الأساسى 350 جنيها.

وأكد سليم العريفي، أنه خلال 43 عاما السابقة، لم يهتم به أحد ولم تكرمه الدولة بأى شيء رغم ما قدمه للبلاد، بالإضافة إلى عدم ضم الـ6 سنوات الإضافية إلى المعاش، والتي أعطته القوات المسلحة شهادة بها.

وفى نهاية حديثه معنا قال الجندى سليم عليان سالم: "كل أحلامى وطلبى رحلة حج أو عمرة قبل ما ألقى الله".
الجريدة الرسمية