رئيس التحرير
عصام كامل

«مؤامرة إسقاط السعودية».. «جاستا» خطة واشنطن لإسقاط «مملكة سلمان».. تفجير «الخلافات العائلية» بسبب التورط في «حرب اليمن».. وأمريكا تتبنى فكرة تأليب &#

فيتو

"السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها" جملة قالها دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية تفسر كيف تري الولايات المتحدة "الحليف الإستراتيجى" لها بالمنطقة، ليس هذا فحسب، لكنها تكشف -في الوقت ذاته- الخطة التي وضعتها واشنطن لهدم "بلد الكعبة" بعد انتهاء مخزون النفط، ودخول الدول البترولية في عصر "مابعد زمن الذهب الأسود".


سكين "جاستا"
قانون "جاستا" المعروف عربيا بـ"قانون معاقبة الدول الداعمة للإرهاب"، السكين الذي أمسكت به الإدارة الأمريكية لذبح البقرة الحلوب، للتخلص منها إلى الأبد، وتدشين خريطة تحالفات جديدة بمنطقة الشرق الأوسط، بعدما نفذت الجزء الأكبر من مخطط الشرق الأوسط الكبير، وتمكنت من تفتيت اليمن والسودان وليبيا وسوريا والعراق، ونجت مصر بأعجوبة وبدعم سعودي في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

الخطة "ب" للربيع العربي، لإنهاء المهمة على أكمل وجه تصب الآن في اتجاه هدم السعودية بقانون الإرهاب، والاستيلاء على أصولها المالية المتواجدة في واشنطن لصالح أهالي ضحايا 11 سبتمبر، إضافة إلى تحريك الملف الحقوقى بهدف إثارة الشباب ضد العائلة المالكة، بسبب تردي الأوضاع المالية، وبات من غير المستبعد رؤية "ميدان تحرير" في قلب العاصمة الرياض، تنصب داخله الخيام المطالبة بإسقاط النظام، ومحاكمة رموز "آل سعود" بتهمة إهدار ثروات البلاد.

بداية الأزمة
خلال فترة حكمه تبنى الرئيس الأمريكى باراك أوباما سياسة "الحرب الناعمة" لإسقاط عدد من الأنظمة العربية والدولية امتدت من الشرق الأوسط وعبرت أوروبا واستقرت في أمريكا اللاتينية، أشعلت إدارته العالم بالحروب الأهلية والثورات الملونة التي فتحت طريق العواصم للتنظيمات الإرهابية.

وجهة النظر الأمريكية تري أن مصر والسعودية "الحجر الساقط" في هرم المنطقة، والفصل الأخير في كتاب التاريخ العربى، وكان وجود الملك عبد الله بن عبد العزيز بمثابة صخرة صلبة أمام موجة الدمار الإقليمى، ولقناعته العروبية بضرورة نهوض مصر من كبوتها، الأمر الذي دفعه لدعم ثورة 30 يونيو ضد الإخوان، وحملت تصريحات وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل في قلب العاصمة الفرنسية باريس رسالة للعالم تؤكد عدم سماح الرياض بالاقتراب من القاهرة.

حرب اليمن
مع رحيل الملك عبد الله، وتولى الملك سلمان حكم البلاد خلفا له، استغلت واشنطن -من خلال أعوانها في المنطقة "قطر وتركيا"- مرحلة تبدل القيادة، وخلقت خلافات مكتومة بين البلدين، لتفريقهما واصطياد كل واحدة منهما على حدة، وجاءت حرب اليمن لتمثل "نقمة" على بلاد الحرمين الشريفين استنزفت مواردها المالية، وحولتها لأكبر مشترٍ للسلاح في العالم في أقل من عامين.

إرهاق السعودية بحرب اليمن، فتح مسام جسد المملكة لاستقبال الفيروسات الأمريكية بكافة أنواعها، بدءًا من خلق خلافات بين أعضاء الأسرة الحاكمة عقب مبايعة الأمير الشاب محمد بن سلمان نجل الملك وليا لولى العهد، ونشر الرسالة المزعومة لأحد أمراء الأسرة المالكة في صحيفة "الجارديان" المملوكة لإمارة قطر، خير دليل على نية تفجير الخلافات الداخلية بهدف النفخ في النزعة الانفصالية.

الأمر لم يتوقف عند حدود الفتنة العائلية، بل امتد لتحريض نساء السعودية على أوضاعهن، بدءًا من المطالبة بقيادة السيارات، وصولا إلى مخاطبة ملك البلاد لتخليصهن من ولاية الرجال، كما مثلت برامج التواصل الاجتماعى فرصة هائلة لخلخلة قيم المجتمع السعودي الداخلية، ودفع الشباب للغضب على القيادة التي تحكم بالشريعة الإسلامية المحافظة، وظهرت دون مواربة السهرات الماجنة، وتحولت حدود الدولة إلى ممرات لكافة أنواع المواد المخدرة، وخصوصا حبوب "الكبتاجون" التي بات اسمها مرتبطا بثورات الشباب.

الوهابية
خلخلة المجتمع السعودي من السطح، امتدت أيضا لتاريخ المملكة، وبدأ مصطلح "الوهابية" يغرق الصحف الغربية والأمريكية، وتحول إلى مرادف لتنظيم "داعش" الإرهابى، في تمهيد محسوب لصبغ المملكة بتهمة "دعم الإرهاب"، وظلت الأمور تسير على هذا النحو طوال العام المنصرم 2015، وأصبح لزاما على وزير خارجية السعودية عادل الجبير الرد على هذا الاتهام خلال كل مؤتمر صحفى يعقده في مقابلاته الخارجية بالعواصم الأوروبية.

الهجمة على المعتقدات السعودية بدأت كالعادة من بريطانيا الحليف التقليدي في مهمات أمريكا القذرة تجاه المنطقة، وانتقلت العدوى إلى باقى العواصم الأوروبية ولم تخل الصحف الفرنسية والألمانية من الغمز واللمز في هذا الأمر.

الاستيلاء على الكنز
بعدما خدرت واشنطن المريض –السعودية- ووضعته على طاولة التشريح لسرقة أعضائه المالية، وأصبحت الأصول المالية للرياض في الولايات المتحدة الأمريكية المفروض عليها السرية، والتي تقدر حسب المعلن بحوالى 750 مليار دولار، هدفا لمشرط أبناء العم سام، للتخلص بعدها من رجل العرب المريض من وجهة نظر واشنطن بعدما استنزفت نفطه وأمواله.

وبحسب التقديرات المبدئية فإن إجمالي مبالغ التعويضات لأحداث سبتمبر قد يصل إلى 3 تريليونات دولار، بما يعد رقما كافيا لمصادرة الكنز السعودي بشكل قانونى، بعيدا عن المديونية التي تتيح لأمريكا مصادرة أموال سعودية أخرى بجميع دول العالم مثلما فعلت مع إيران قبل عقود.

التمهيد للصفقة
قانون "جاستا" الذي مرره الكونجرس الأمريكى الأسبوع الماضى، متخطيا "فيتو" أوباما للمرة الأولى منذ توليه السلطة استخدم خلالها حق الفيتو الرئاسي 12 مرة، كان تتويجا لحملة ابتزاز شنتها الإدارة الأمريكية على مدى الشهور الماضية، من خلال التهديد بنشر 28 صفحة سرية، ورد بها إدانة لثلاثة أمراء بالعائلة المالكة السعودية، زعمت واشنطن تورطهم في دعم العناصر الإرهابية التي قامت بتنفيذ هجوم 11 سبتمبر.

عقب التسريبات والتصريحات اندهش العالم بصفقات تسليح هائلة عقدتها السعودية مع الإدارة الأمريكية، بعد مناوشات دبلوماسية ربما جاءت كرشوة صريحة بهدف غلق الملف، وبالفعل كما وعد البيت الأبيض الرياض بعرقلة مثل هذا الأمر، نشرت الـ 28 صفحة السرية لتبرئ المملكة من هذا الاتهام.

تقارير معهد البحث الأمريكية بعدها ألمحت إلى أن نشر الوثائق لا يعفى السعودية من المسئولية، للتمهيد بظهور رائحة "طبخة فاسدة" تطبخ في الكواليس تمثلت في إقرار الشيوخ الأمريكي لـ"قانون جاستا".

خداع أوباما
الجانب المظلم في الأمر والذي يؤكد تعرض السعودية لخديعة كبرى من الرئيس الأمريكى، كشفته نهاية الأسبوع الماضى زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، بتأكيدها أن الرئيس باراك أوباما لم يضغط عليها إطلاقًا لمنع تجاوز الفيتو الرئاسي ضد قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، الذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية السعودية.

التصريح الصادر من داخل البيت الديمقراطى يؤكد -بما يدع مجالا للشك- أن خيوط الشبكة التي صنعتها أمريكا لاصطياد الفريسة شارك الجميع في نسجها بلا استثناء، لدفع الضحية السعودية إلى نهاية اقتصادية مرعبة تسهل خلق الفوضى الداخلية.

البديل إيران
لا شك أيضا أن الصقر الأمريكى لا يلقى بصيده على الأرض قبل اصطياد غيره، وملامح التغيير في النهج واتباع استراتيجية جديدة في تحالفات المنطقة، وضحت جليا من خلال الاتفاق النووي الإيرانى مع واشنطن والدول الكبري المعروفة بـ "مجموعة 5+1"، وتعد رسالة أوباما السرية للمرشد الإيرانى "على خامنئي"، وسلسلة التنازل السرية التي قدمها وآخرها ما تم الكشف عنه مطلع الأسبوع الجاري، حول رفع العقوبات المبكرة عن بنكي "سبه" و"سبه إنترناشونال" المعروفين بدعمهما لبرامج إيرانية لدعم منظومة طهران الصاروخية، يؤكد أن إدارة أوباما عزمت النية على طلاق أمريكا من السعودية، وإبرام زواج شرعى مع إيران، تمهيدًا لحقبة تاريخية جديدة في منطقة الشرق الأوسط بدون عرب.

الخيارات السعودية
الأمر الذي أصبح لزاما على السعودية التي تتعرض للهجمة بشكل خاص، والبقية الباقية من العرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه الآن، هو وضع خيارات جديدة للتعامل مع المخطط الأمريكى.

وتعد تصريحات ولى العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في أنقرة الجمعة الماضية، بداية لتشخيص المرض والبحث عن علاج، بقوله: "الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان، ولا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصّن أنفسنا قدر الإمكان".

ورغم عدم صدور تصريحات رسمية حول خيارات المملكة حتى الآن للرد على هذا الاستهداف، يري المراقبون للمنطقة، أنه حان الوقت لتقليص التعاون الأمني مع أمريكا، وسحب جميع الاستثمارات الخليجية التي باتت عرضة للمصادرة تحت أي ذريعة، إضافة إلى تنويع الشراكات الدولية، والتعويل على دول مثل روسيا والصين ومجموعة الدول الآسيوية المهمة، والتي تمتلك تاريخا، معتبرًا في مجال الاستثمار، وبشأن الأصول السعودية المتواجدة في الولايات المتحدة لعل الطريق الآمن لإنقاذها يتمثل في تحويلها إلى أوقاف للشعب السعودي، بعيدة عن يد الدولة، خصوصا أن سحبها لن يتم بسهولة، وفى الوقت ذاته لن تسمح واشنطن بسحبها حيث تعتبرها كنزًا ثمينًا لن تتنازل عنه.

صحوة قومية
الضارة النافعة في قانون "جاستيا" والتي يجب على العرب استيعابها تتمثل في مقولة الرئيس الأسبق حسنى مبارك لوزير خارجيته وقتها أحمد أبو الغيط: " المتغطي بالأمريكان عريان".. فقد أثبت التاريخ أن "الشيطان الأكبر" كما تسميه إيران أيضا حليف غير موثوق، فقد سبق وأن تخلى عن شاه إيران رضا بهلوي ودعم الثورة الإسلامية ضده، وباع مبارك نفسه الذي اعتقد لعقود أنه صديقهم الموثوق، وطلبوا منه الرحيل الفوري، حتى المعارضة السورية التي ظلت تدعمها لأعوام سلمتها لروسيا ونظام الأسد، بعدما انتهت مهمتهم في تفتيت الدولة، وأصبحوا حملا على كأهل الولايات المتحدة.

اعترافات القرصان
اليوم وبعدما أصبحت السعودية "هدفا استراتيجيا" للتخلص من حمايته طبقا لاعتراف جون بروكنز في كتابه "اعترافات قرصان اقتصادي"، والذي أكد في أحد فصوله أن هناك اتفاقية حماية للنظام السعودي، أبرمتها واشنطن مع الرياض، في سبعينيات القرن الماضى مقابل التزام المملكة بتعويض إنتاج "النفط" حال قررت منظمة "أوبك" تخفيضه، تجنبا لسيناريو حرب أكتوبر 1973 عندما خفضت الدول العربية الإنتاج لدعم مصر في حربها ضد الاحتلال الإسرائيلى، الخطوة التي اعتبرتها أمريكا "سلاح عربى" مهدد يجب التخلص منه، وفيما يبدو أنه بعد تعويل واشنطن على مصدر جديد"إيران"، وقناعته بقرب نفاد نفط العرب قررت دفن الاتفاقية والتخلص من بائع مزعج زواله أصبح يمثل لها أهمية أكثر من وجوده.

من جهته، قال المستشار حسن أحمد عمر، المحامى بالنقض، الخبير في القانون الدولي: علينا أن ندرك أولا أنه لا يمكن من الناحية القانونية لدولة أن تحاكم دولة أخرى بقانون داخلي، باعتبار أن الدول تملك حصانات سيادية ضد القضاء، ولذلك فإن قانون "جاستا" يعتبر مخلا بالنظام العام القانوني الدولي، ليس هذا فحسب، لكن القانون يمكن القول إنه باب من أبواب جهنم فتحته الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها، لأنه سيحرمها من الحصانة في الدول الأخرى، وبموجب مبدأ المعاملة بالمثل وبالاختصاص الضمني فلن تصبح هناك حصانة لأمريكا ولا لمسئوليها في العالم، وستصبح عرضة للمحاكمة في جميع أنحاء العالم، خاصة أن كافة الأدلة تشير إلى أنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم أجمع.

وحول الطرق التي من الواجب أن تسلكها الرياض للهروب من "فخ جاستيا"، قال خبير القانون الدولى: هناك طرق عدة يمكن للمملكة العربية السعودية اللجوء إليها للهروب أولها الذهاب لمحكمة العدل الدولية عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة؛لإصدار فتوى للمحكمة بشأن مدى دستورية ومشروعية هذا القانون، ويمكن لها أيضا تحريك دعوى دستورية أمام "المحكمة الدستورية الدولية" للقضاء بعدم دستورية هذا القانون في نطاق القانون الدولي.

وأوضح "عمر" أن المحكمة الدستورية الدولية هي الحل الأمثل للسعودية للخروج من المأزق الأمريكي، شرط قبول الطرفين الاحتكام للقضاء الدولي، مشيرا إلى أن تلك المحكمة هي عبارة عن دائرة في محكمة العدل الدولية، لا يشترط فيها موافقة الطلبين ولكن يرسل للطرف الرافض "أمريكا" إنذار لمدة ثلاثة أشهر للحضور، وإذا لم يحضر تقضي المحكمة في الدعوى دون وجوده وبالتالي تاخذ السعودية صكا دوليا بعدم دستورية القانون.

"جاستا قانون مدمر" جملة وصف بها المستشار "عمر"، القانون الأمريكى، وأكمل عليها بقوله: هذا القانون لا يتعدى كونه ذريعة للدفع بالسعودية لمصير الكويت والعراق التي بررت غزوها تحت كذبة أسلحة الدمار الشمال، والآن تبرر محاربة السعودية بتهمة رعاية الإرهاب الدولي وهي تهمة باطلة، وعلينا أن نضع في الاعتبار أن تضرر السعودية يضر العالم العربي بأكمله، باعتبارها مصدرًا ماليًا داعمًا لجميع الدول العربية.

خبير القانون الدولى، كشف في سياق حديثه أن "جاستا" لم يكن أمريكيا في الأساس، ولكنه فكرة إسرائيلية دفعت أمريكا ثمنها 38 مليار دولار مساعدات لمدة 10 سنوات لإسرائيل التي تقود الإرهاب في العالم.

وعن الإجراءات الاحترازية الممكن أن تتخذها السعودية سريعا لحماية نفسها، قال: فكرة سحب الأموال من السوق الأمريكية والأوروبية صعبة التنفيذ على أرض الواقع، ولن تسمح الولايات المتحدة للسعودية بها، بل ربما تواجه المملكة رد فعل عكسيا بصدور قرار يقضى بتجميد كل تلك الأموال، كما أنه يثبت التهمة على السعودية.

ولفت إلى أنه يبدو أن واشنطن تجهز للدفع بإيران لغزو السعودية عسكريا، وتوصيلها لمصير العراق والكويت، تحت أي مبرر مثل حماية الحجاج أو غيره، وبذلك يتحقق مخطط مواجهة الشيعة والسنة بالمنطقة الذي تسعى أمريكا لتطبيقه منذ أمد بعيد.

خبير القانون الدولى، أنهى حديثه بالتأكيد على ضرورة إرسال مصر قوات إلى هناك لضمان أمن المملكة، ومن ثم أرض مصر، إلى جانب التكتل خلف المقاومة الفلسطينية وتزويدها بالأموال والسلاح، لبداية مرحلة كفاح مسلح جديدة، مما يغير قواعد اللعبة، ويعيد الصراع العربي الإسرائيلي للواجهة من جديد.

"نقلًا عن العدد الورقي".
الجريدة الرسمية