الأنثى التي بداخل «زيدان»
نظرت إلى تليفوني المحمول فوجدت أنه فاتني أثناء استحمامي ثلاثة اتصالات.. اتصال من حبيبي القديم المشكوك في أحواله الحالية.. واتصال دولي من حبيبي الحالي المشكوك جدًا في حالته.. فهل أتجاهل الاتصالين ؟ أم أعاود الاتصال بأحدهما ؟؟ سنرى..
في رواية من أروع ما كتب يوسف زيدان والتي يظن القارئ أنها ختام للثلاثية "محال، جوانتانمو، نور"، إلا أن زيدان بدهائه المعهود ترك الجزء الرابع والخامس والسادس لعقل وخيال القارئ، حيث إنه لم يذكر في ختام رواية نور مَن الاتصال الثالث الذي وجدته على هاتفها أثناء استحمامها ! وختم الرواية بـ سنرى.. العائدة على الكاتب والقارئ بل والإنسان بعمومه.. فهل الحياة التي نحلم بها محال أم هي طبيعة الأحوال ؟ حيث جسد زيدان في ثلاثيته المختتمة بنور تطور المفاهيم الشخصية والإنسانية.. بما يؤثر فيها من أحوال اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، محلية كانت أم دولية.
فجاءت نور للمفكر العبقري زيدان والتي أرى جانبا منها امتدادا لفكره (ظل الأفعى) وهو إظهار مكانة الأنثى ومفاهيم تقديسها وأحوالها التي طالت طمسها ودفنها عمدًا من قِبل الذكر والأنثى كل حسب مقتضيات الحال المُحال في كل الأحوال خاصة في عبارتين من أعمق وأخطر ما يمكن جاءتا في الرواية، أولها (أن جوهر الأنثى واحد والطرق لها بعدد أنفاس البشر) وهي مقوله صوفية (أن الطريق إلى الله بعدد أنفاس البشر).
وثانيها (أنه يوجد سبعة أوجه للأنثى تتحلى بهم وتمنحهم لمن تريد هي، لتجعل منحها لحبيبها كونا يدور في فلكه ومحيطا لا يستطيع الوصول لعمقه إلا بالخيال لينول المنال لمن يتأمل ألوان طيف قزح دليل الجمال).
وفي جانب آخر من الرواية لم يتورع زيدان في إبراز متناقضات الأمثال الشعبية والحكم السائدة وسير عموم الناس عليها دون دليل أو مآل، (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد) مع سبحه في الفلسفة الكونية وتأمله بذكر أسماء الله وصفاته رغم تضادها التي يتضرع بها المرء للإله ويُطيل دومًا السؤال "لماذا.. متى.. كيف".. "الرحمن، الرحيم، الجبار، المتكبر، المعز، المذل.....".
وفي جانب ثالث استطاع زيدان كعادته أن يجعل القارئ يعيش في الإسكندرية بوصفه الدقيق لبعض الأماكن المشهورة بطبيعتها ومكانتها التاريخية. ولم يسهُ زيدان عن إبراز الصراع المرير والمستمر بين الجلباب والنياشين وكأن كلٌ منهما امتلك اليقين.. ناهيك عن بعض العبارات (الإفيهات) في بعض الحوارات التي تجعل القارئ يبتسم في بعض الأحيان... ولا أريد أن أطيل فكفى بالقارئ أن تكون نور هي نورٌ لكل عقل مبتور وقلب مسحور.. وكما أنهى زيدان نور بسؤال هل الحياة التي نحلم بها محال؟
فأسأله هل العدل والرحمة مختفيان من الإنسانية ولن يعودا إلا بعودة مكانة الأنثى والوجه الأنثوى للآلهه؟ أم أنه محال ؟ "في كل ذكر أنثى وفي كل أنثى ذكر".