في المشمش!
ارتفعت أصوات شتى مؤخرًا يطالب أصحابها بعودة من كانوا يديرون اقتصادنا القومي قبل ٢٠١١ لإنقاذه من الأزمات التي يعاني منها.. وتحديدًا عودة د. يوسف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق، والمهندس رشيد، وزير التجارة والصناعة، والدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار.
وردًا على هؤلاء ودون مقدمات أقول لهم: أنتم تحلمون.. فلو عاد هؤلاء لن يصنعوا معجزة اقتصادية، مع كل الاحترام للذين يرون أن هؤلاء يملكون عبقرية اقتصادية خاصة لا تتوفر في غيرهم.
فإن الزمن يا سادة غير الزمن.. سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.. داخليًا لم تكن البلاد تخوض صراعًا سافرًا وحادًا ومكشوفًا أو علنيًا ضد جماعة الإخوان وحلفائها كما هو الآن، ولا تتعرض لعمليات عنف وإرهاب مكثفة كما هو الآن.. ولذلك كانت لدينا موارد متوفرة وكبيرة نسبيًا من النقد الأجنبي نحصل عليها من سياحة أجنبية تزيد عامًا بعد آخر، ومن تحويلات المصريين العاملين في الخارج التي لا تحتجز خارج البلاد بشكل ممنهج ومتعمد، وأيضًا من استثمارات أجنبية كانت تجـــد في الاستقرار الأمني ما يشجعها على التدفق إلى مصر.. وكل ذلك حرمنا منه الآن ونحاول تعويضه بقوة.
كما أن هؤلاء الذين يطالبون بعودتهم -ربما باستثناء د. محمود محيي الدين- كانوا ينتهجون سياسات اقتصادية يزيد في ظلالها عدد الفقراء في مصر، لأنهم لا يعترفون إلا بنظرية تساقط ثمار النمو، ولا يؤمنون بضرورة أن يستفيد الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، مثلهم كالأغنياء من ارتفاع معدلات النمو.. أي أنهم إذا عادوا لإدارة اقتصادنا القومي لن يتبعوا أكثر مما يطبق حاليًا على يد غيرهم، وفي ذات الوقت سوف يزيدون من معاناة أكثر مما يطبق حاليًا على يد غيرهم، وفي ذات الوقت سوف يزيدون من معاناة الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة الذين أعتقد أننا لا ننسى شكواهم من ذلك وقتها.
بل إن هؤلاء وهم يديرون اقتصادنا القومي لم يقدموا الكثير عندما داهمت العالم أزمة اقتصادية ومالية عام ٢٠٠٨.. ولعلنا نتذكر أن معدل النمو الاقتصادي الذي تجاوز ٧٪ تراجع إلى نحو ٥٪ بعد اندلاع الأزمة المالية الاقتصادية عليها.
ولذلك كله أقول لمن يريدون العودة للماضي: أفيقوا وانتبهوا وتثبتوا.. وكفى أحلامًا أو مراهنة على أوهام.. إنقاذ اقتصادنا لن يتم على يد د. يوسف بطرس غالي، ولا المهندس رشيد، أو د. محمود محيي الدين.. وإنما يتم من خلال التصدي الحازم والعاقل لمشاكلنا الاقتصادية في إطار استثمار التغيرات العالمية.
ثم أن عودة هؤلاء لإدارة اقتصادنا ذاته أمر لن يتحقق، خاصة أنني متأكد أنهم غير راغبين لمثل وذلك، فقد كانوا أول من قفز من مركب نظام مبارك بعد ٢٨ يناير ٢٠١١.. أو كما نقول سوف يعودون فقط في المشمش!