جنرالات «فيس بوك»
بعد هزيمة مصر عام 1967 في مواجهة إسرائيل ظهر مصطلح "جنرالات المقاهي" وكان يقصد بهم رواد المقاهي الذين يتحدثون في كل شيء وأي شيء دون وعي أو علم أو معرفة ويرددون كل ما يقال أمامهم دون مراجعة وهل هذا الكلام يقبله العقل أم لا؟
"جنرالات المقاهي" هؤلاء كانوا يتحدثون عن "النكسة" ويضعون الخطط الدفاعية والهجومية وطويلة المدى وقصيرة المدى وكأنهم ولدوا فوق فوهات المدافع وكل جنرال يعرض على الجنرال الذي يجلس أمامه خطة الحرب ومتى تتقدم قوات المشاة.. ومتى تتراجع المدرعات.. ومتى يضرب الطيران.. وكل جنرال يقول لباقى الجنرالات الذين يجلسون بجواره وسط أنفاس "الشيشة" لو أن المشير عبدالحكيم عامر نفذ هذه الخطة لما حدثت الهزيمة..
هؤلاء الجنرالات لم يرحلوا عنا فما زالت رحلة عطائهم للوطن مستمرة، ولكنهم انتقلوا من المقاهي إلى وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح يطلق عليهم "جنرالات فيس بوك" أو جنرالات "التفاهة" فكل من يمتلك جهاز محمول -بالمناسبة عدد المشتركين في شركات الاتصالات في مصر يبلغ 100 مليون مشترك- أو اشتراك نت "يرخي قدميه" ويتحدث في كل شيء ويجادل في أي شيء ويضع خطة مصر الاقتصادية والسياسية والعسكرية وبطبيعة الحال الرياضية والدبلوماسية فالأمر لا يكلفه الكثير 30 جنيها فقط قيمة الاشتراك.
ويبدأ الجنرال الصغير في طرح عبقريته على الجميع فهو العالم بكل شيء والمطلع على كافة الأسرار والمنشغل دوما بالهم الوطنى والعالم ببواطن الأمور والدارس لأزمات مصر الاقتصادية والمتابع لأحدث الخطط العسكرية والقريب من دوائر صنع القرار والخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية ويكتب هذا الجنرال كل ما ليس له قيمة ويرصد كل ما ليس له منفعة ويشغل وقته وعمله -إذا كان له عمل- في التفاهة وصغائر الأمور مرة بالسخرية من سامح شكرى وزير الخارجية خلال مشاركته في جنازة شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي الراحل وهو إجراء بروتكولى مع دولة تربطنا بها معاهدة سلام.
ولكن هذا الجنرال "الصغير" ترك كل ملفات الخارجية المصرية ونشاط وزير الخارجية وهل هي قادرة على التعبير عن صورة مصر بعد 30 يونيو؟ وهل هذا الوزير قادر على تنفيذ سياسة الدولة المصرية وسط باقى الدول؟ وينتقل هذا الجنرال من الخارجية إلى التضامن الاجتماعى ويستعرض في خفة دم إلغاء سفر وزيرة التضامن الاجتماعى غادة والى إلى لندن وذلك بعد أن فوجئت بأن المقعد المخصص لها على متن الطائرة في المقاعد الاقتصادية في حين طالبت بأن يكون مقعدها ضمن مقاعد البزنس مما أزعج الوزيرة واعتبرتها إهانة كبيرة في حقها وحق الفقراء المسئولة عنهم -وهى واقعة تستحق المساءلة عليها إن حدثت بالفعل-.
ولم يحدثنا هذا "الجنرال" عن أخطاء الوزيرة في ملف الفقراء وسياستها في ملف الأولى بالرعاية ويناقشها حول رؤيتها في التعامل مع أزمة الجمعيات الأهلية ولم يعطنا هذا العبقرى من بحر عطائه كيف يتراجع عدد الفقراء في مصر؟ وما الذي يمكن أن تقدمه الحكومة لمحدودى الدخل لهؤلاء ؟.الجميع يقول أي كلام والسلام.
ويغرد هذا الجنرال العبقرى الذي لم تنجب مصر مثله وينتقل من الحديث عن وزيرة التضامن إلى الحديث عن رئيس الجمهورية في افتتاح مساكن غيط العنب بالإسكندرية من الطعمية اللى بالسمسم إلى نوعية الأطباق وعيش الجيش ومسقعة الرئاسة.
لم يتحدث هذا الجنرال عن إنجاز مشروع ضخم في وقت قياسي وأن هناك من كان يعمل على مدى الـ 24 ساعة وهو جالس "يرخى قدميه" ويشاهد برامج التوك شو وأن واقع آلاف الأسر تغير إلى الأفضل وأن هذا الإنجاز يجب تعميمه في المناطق العشوائية الكثيرة في مصر وأن كل من ساهم في هذا الإنجاز يستحق أن تقول له شكرا من القلب لا أن نسخر منه ونطارده بالإحباط ونتربص له بالسخرية. الوطن يحتاج إلى العمل والإنتاج وليس الكلام على الفيس والسلام.