«شجرة الدر».. وطلاب الإعدادية
استغربت كثيرا من اختيار وزارة التربية والتعليم لقصة "طموح جارية" ليدرسه طلاب الشهادة الإعدادية.القصة تحكي بعض الأحداث التي مرت بها مصر في نهاية حكم الأيوبيين، وبداية حكم المماليك، من خلال جارية هي "شجرة الدر".
المراجع التي استعان بها المؤلف قليلة، ربما لا تتجاوز مرجعين أو ثلاثة، وهذا واضح من الأحاديث التي تسير على نمط واحد، وفقر الشخصيات التي تدور عبرها الأحداث.
ماذا يستفيد الطالب من قصة صراع جارية مع منافساتها من الجواري؟! لا يوجد في القصة سوى مشاهد الحب والمناجاة بين الملك الصالح نجم الدين أيوب وجاريته "شجرة الدر" أو "شجر الدر".
في الوقت ذاته، هناك قصة "وا إسلاماه" للكاتب المرموق على أحمد باكثير، رحمه الله، وتتفوق في قوة الأحداث، ومتانة نسيجها، وإظهار عظمة مصر، وقوة شعبها وجيشها، والصراع المحتدم بين قادة المماليك في ذلك الوقت، مع قصة حب مرهفة بين "محمود الخوارزمي" أو "قطز"، وابنة عمه "جهاد".. ناهيك عن جذالة الأسلوب، ومتانة الصياغة، والحبكة الدرامية.
لا أدري السبب الحقيقي لاختيار قصة "طموح جارية" ليدرسها طلاب الإعدادية في مصر! لا يظهر من سطور القصة بطولات الشعب المصري، وعظمة تضحياته.. حتى المؤامرات لم يجد المؤلف حبكتها الدرامية.
لا تبدو في القصة سوى بضع شخصيات فقيرة دراميا، ومواقف بسيطة لايكاد يستفيد منها القارئ شيئا، بسبب تواضع الصياغة، وضعف الحبكة.
أوردت القصة أسماء شخصيات، مثل: العز بن عبدالسلام.. الظاهر بيبرس البندقداري.. قطز.. أقطاي.. عز الدين أيبك.. توران شاه.. الطواشي صبيح، ومعظم هذه الشخصيات أسهم بدور كبير في تاريخ مصر.. وكان الأحرى بالمؤلف أن يكشف عن بعض أبعاد تلك الشخصيات، وجوانب العظمة فيها.
وتشعر حين تقرأ القصة المتواضعة باختزال مخل في نهايتها، حين تتزوج "شجرة الدر" من "أيبك"، ويبرر المؤلف اختيارها بلين عريكته، وضعف شخصيته؛ مما يمثل إهانة لتلك الشخصية التاريخية، كما تخفي تماما أي أثر للصراع "الحريمي" في القصر السلطاني بعد زواجهما.
باختصار، أخفقت وزارة التربية والتعليم في اختيار "طموح جارية"، وهناك الكثير والكثير من الكتب التي تذخر بها المكتبة العربية.
وحتى لو دافع أحد بأن القصة تظهر قوة دور المرأة في التاريخ المصري، فإنها تظهر "شجرة الدر" تعتمد على مكرها، وخبثها، في دفع زوجها "نجم الدين أيوب" لاتخاذ قرارات معينة..ولدينا في التاريخ العربي قصص وروايات عن العديد من الشخصيات النسائية المشرفة، التي تفوق "شجرة الدر" بمراحل، في الذكاء والعظمة، والقدرة على القيادة، فضلا عن كون "شجرة الدر" غير مصرية الأصل.. ثم إن التاريخ يحكي عن ارتكابها جريمة قتل "أيبك" بسبب الغيرة، لاعتزامه الزواج من "ضرة"، ثم حبسها ومقتلها بطريقة مذلة.
ولن أتكلم عن اللوحات التي تشوه صفحات القصة، فواضح أنها رسمت بريشة فنان مبتدئ جدا، أساء للشخصيات التي رسمها.