لماذا تفشل الأمم؟
كتاب "لماذا تفشل الأمم" هو أحد الكتب التي ناقشت سبل ازدهار الأمم أو تدهورها والتي ينصح بمطالعتها المهتمين بالشأن العام لتكوين رؤية إستراتيجية لبناء الدول وقد كتبه المؤلفان دارون اسيمو غلو وجيمس روبنسون وهما من أهم علماء القرن في السياسة والاقتصاد ووضعا نظرية مفادها "أن الأسس التي وضعتها بعض الأمم أدت إلى ازدهار أمّم أخرى " وتناول تاريخ حضارات عظيمة منذ فجر التاريخ من الإمبراطورية الرومانية إلى حضارة ألمانيا ثم إنجلترا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ثم تحدث بإسهاب عن مستقبل الصين وازدهارها وعن إشكالية التقدم بين كوريا الشمالية والجنوبية وطرح سؤاله العتيد...هل أوشكت إمبراطورية الولايات المتحدة على الانقضاء؟
كيف تشق الأمم طريقها من دوامة الفقر إلى التطور وهنا يتحدث الكتاب عن الدور المحوري الذي تلعبه المؤسسات السياسية والاقتصادية نحو الازدهار أو التدهور وما زادني فخرا أن تطرح تجربة محمد على باشا كأحد أهم التجارب العالمية في بناء الأمم.
ويتبني روبنسون رؤيته أن "المجتمعات الناجحة اقتصاديا تتدبر أمر تطوير حزمة أو مجموعة من المؤسسات التي ترعى وتوجه المواهب والكفاءات والطاقات لدى مواطنيها". في تعريف ملخص لمعني المجتمع الناجح.
ومن خلال التجارب المقارنة يصل المؤلفان إلى أن الدول المتأخرة ليس بسبب مواقعها الجغرافية أو ثقافاتها ولعل الاستشهاد بتجربة كوريا الشمالية والجنوبية وأكد أن المراكز الصناعية كانت ترتكز في الشمال أي أن مقومات التقدم كانت متاحة للشمال ولكن مركزية الدولة الديكتاتورية في كوريا الشمالية وعدم إتاحة الفرصة لجميع المواطنين في تحقيق التنمية حقق التفوق للجنوب.
مركزية الدولة الفعالة مطلوبة في تحقيق الاحتياجات الأساسية للمواطن وتطبيق القانون وضمان الأمن وتحقيقه ولكن بدون أن تكون حاجزا أمام المواطن في جني ثمار التنمية أو تحقيق الرفاهية الفردية.
مثلما نجحت جنوب أفريقيا بعد القضاء على الحقبة العنصرية في مرحلة التحول الديمقراطي ويتضح من التجربة التوزيع العادل للثروة ثم يقارنها بدولة ظروفها مشابهة وهي الصومال التي تعاني من المجاعة ولم يتجاهل تجربة بريطانيا في أوج ازدهارها من تطبيق عدالة الدخول.
ولعل في دراسته للشرق الأوسط الذي صنفه كدول احتلتها الإمبراطورية العثمانية فلم يحقق التقدم إلا دول النفط وذلك طبقا لما أرساه حكام الإمبراطورية من مقاومة ثقافة التغيير وإرساء ثقافة الغيبيات والجهل ومعاقبة الشعوب بالفقر.
وصل المؤلفان أن تقدم الأمم وبناء الحضارات يحدث عند حدوث تغييرات سياسية كبيرة ولكن ذلك يتطلب وقتا ففي فرنسا انتهت الثورة الفرنسية ١٧٩٩ ولكن تأسيس الديمقراطية تطلبت ثمانين عاما.
رغم احترامي للطرح العلمي للكتاب فقد عبر عن انحياز سياسي غير موضوعي عندما أغفل التجارب الاشتراكية في التنمية ليظهر انحيازه لمباديء السوق الحر وعلي الجانب الآخر أظهر دعمه للربيع العربي بدون إدراك تبعاته التدميرية على بعض الدول العربية مما سبب تدهور وحروب أهلية وليس ازدهار بناء على عدم دراسة بيئة هذه الدول من القوى الداعمة والدافعة مما يؤثر على مصداقية الكاتبين في تبني رؤي متكاملة.
أغفل الكتاب دور القوى العالمية في ازدهار الأمم أو تدهورها وتشكيل التحالفات وهو ما حدث عندما دعم الغرب كوريا الجنوبية وألمانيا الغربية دعما اقتصاديا لأهداف سياسية أهمها تسويق النموذج الديمقراطي الغربي المضاد للنموذج الشيوعي أيضا أغفل إستراتيجية التغيير الإصلاحي الذي يجنب الدول في مناطق التوتر المستمر مخاطر الانهيار ولعل أكبر مثال هو التوتر الناجم من وجود إسرائيل وسط الدول العربية لذا لن يصلح أسلوب الهدم في التغيير وإنما قد يكون الأفضل هو الإصلاح المؤسسي الهاديء بدءا من التعليم وخلق بيئة صحية للبحث العلمي وتغيير الثقافة المجتمعية مع الحفاظ على القيم التي تحقق البناء المجتمعي الصالح ( التي تحقق بناء الأمة الحقيقي من وجهة نظري) ودعم الاقتصاد الوطني الهادف وتقليص الفساد وصناعة الأمل في ربوع المجتمع من خلال رؤي وطنية صادقة.