الجنازة حارة والميت....
ذات صباح اجتمع أهل القرية على نواح وفزع، وكأنه يوم القيامة. والباشا كان واقفا يتقبل العزاء بكل أسى في كلبه العزيز.. أقصوصة توجز معنى المثل الشعبي "الجنازة حارة والميت كلب". الطريف في باقي الحكاية التي لم يسجلها المثل، هي عندما مات الباشا نفسه لم يحضر أحد، وهذا يؤكد أن وفاء المشيعين لم يكن خالصا للكلب أكثر منه إخلاصا للباشا!
المشهد رهيب، فاليوم قد خسر القوم أقوى الرجال (عليهم).. رجل من أندر الرجال ( مثلهم). وبكل أسف أتقدم إلى "التفرقة" العربية بنعي صديقها العزيز، وصدق القائل: "بيريز واحد مننا"..!
يا ترى يا.... تزق، تسابق المشيعين، وتقول:" آجرني"، وترفع الخشبة على كتفك كي يقول العالم عليك متحضرا.. ووسط حالة النفاق العربي ستتمتم في سرك وتقرأ له الفاتحة، وعيناك تغرورق بالدموع.
بالمناسبة قبل أن تخرج يا... من المشهد اقرأ الفاتحة لغرقى مركب رشيد التي لم تتلق فيها العزاء حتى الآن، ولم نشهد لهم نعشا ولم نر لهم قبرا.. وأنت وأنتم لا تنسون أن تذهبوا لقبور شهداء الأمة العربية في النكبة والنكسة والانتفاضات وفي المظاهرات وكل من حمل حجرا. ووسط حالة الأسى العربي لم نركم يا قادة العرب، صحيح حضور الجنازات فيه "خيار وفاقوس"..!
يا كل عربي مُداهن، اقرأ الفاتحة على شيمون بيريز، وتأكد إن لم تقرأ فإن التلمود منعك !
ومات صديقكم العزيز.. وفي داخل السياق عتب لمن أهملوا صداقتنا ونعتونا بأقذع النعوت التي زفتنا على النعوش يتامى، فلا الباشا ولا كلبه عزونا وطبطبوا على...
"أنين عشاقها الكتير
السايل مع كآبة سنابلها الدبلانة على قمح بدنها العطشان
والمهاويس فيها بيحاكموا الغريق بفرمان الكلبي صنقر
وإيه يهم، وأنا المفلس المدبوح، بس لون دمي خبيز ميكفيش فيها الجعان
اتسرقت، اتحبست، جعت، اتعريت، مت، غرقت، شتموني، رموني بالجمر
وفي عز ضيقة الأحوال طلت عيوني من ورا قضبان جفوني: أنا عشقان
للحلوة اللي...
ديما بيجي وصل نهارها أشهي من اللى قبله..
هي وصية جدتي..
هي رؤيا منامي..
هي أبجدية جدي...
هي من قرأت عنها في كتب الأولين وعلى جدران المعابد، هي حلاله..
الملاعين أجدادنا ما تركوا لي حرفا أنقشه في سحر ترابها.. شاطرين. بس أنا أشطر منهم.. وأنا اللى رويت الفولة..
أنا اللى هربت بها، وأخدها ولعبنا النطة بين شجرة التوت والصفصافة،...
ورسمنا قلوب على الأرض، ودباديب حب، وكلمة بحبك، وتسابقنا على مين راح توصل ماء كوزه لأبعد مدى،...
بس، مش هتكلم أكتر من كدا، ولا أفصح أكتر من كدا.. لأحسن يجوا ياخدوا مني ضريبة على حلمي المرتجى...
وبحمد الله، إن غلاظ حراسها مبيفهموش ولا بيعرفوا يفكوا الخط..
هي، بس وحدها من تفهم لهجتي، وتعرف عفرتي وحدها الخبيرة بنوايا عيني في الحط والنط...
وقربي، دا أنت أمي وحبيبتى وبنتي وعمتي وخالتي، أنت إناث الدنيا وحور الجنة في عيوني أنا...
قربي فطورك أهو، رغم فقري، اشبعي... وأنا سبقتك وأكلت أنا.
يا تري العيش هيكفكي، وهيكفي لصوصك، ولا أقوم أهاجر وأجيب لك غموس بلحم الأنا.
وبالمناسبة، عمري ما كان اسمي عاطل عن حبك أنا.. وعمري ما مشيت في جنازة كلب وقلت سيدي أنا".