رئيس التحرير
عصام كامل

الفكر المصرى فى العصر الإخوانجى


استوقفتنى مبادرة حركة "أخويا المسلم عايز أقول إنى بحبك"، لأسترجع معها 10 سنوات، تحديداً فى العام 2003 حينما طرح الرائع الراحل الدكتور رأفت عبد الحميد أستاذ التاريخ الوسيط وعميد كلية الآداب بجامعة عين شمس، أهم دراسة حول "الرهبانية"، فى كتابه المتجاهل إعلامياً "الفكر المصرى فى العصر المسيحى".


الدراسة أنجزها صاحبها بعد 10 سنوات بحث خلالها فى تصورات المصريين وإجراءاتهم العملية فى مواجهة اضطهاد حكامهم الرومان والبيزنطيين، لتتحول فكرة "الرهبانية" إلى حركة تذهب بالمصريين من الوادى إلى أطراف الصحراء وأعماقها للحفاظ على عقيدتهم وهويتهم، وإنشاء أديرة وضعوا نظاماً اقتصادياً وروحياً لإدارتها.

مات "عبد الحميد" عقب مناقشة دراسته بحضور "الراحلين" شيخ الأزهر طنطاوى والبابا شنودة، وطبعت بمشروع مكتبة الأسرة لتباع بمبلغ 3 جنيهات عقب حصوله على لقب وجائزة صاحب أفضل كتاب ثقافى.

الفكر المصرى فى العصر المباركى انتقل من صورة القبلات الرسمية بين المسيحيين والمسلمين إلى وحدة اليد والهدف والمقصد الوطنى، عقب تفجيرات كنيسة القديسين المتهمة فيها خلايا تيارات متطرفة أبعد عن الدين، وسط اتهامات لوزير الداخلية وأجهزته الأمنية برعايتها واستدعائها للمشهد السياسى المجتمعى لافتعال أزمات تضمن لطاغية بقاءه 3 عقود على عرشه، لتكون ميادين الثورة فى يناير قمة المثالية الوطنية، حتى ضرب أعداء الثورة والوطن وحدة المصريين بسلسلة جرائم وخطب ونعرات أعادتها إلى نقطة الصفر.

وسط تراجع مؤسسات المجتمع المدنى وانشغال أغلبها بأزمات داخلية ومعركة خاسرة على قانون عملها وتمويلها، فقد كثيرون ممن تعلموا مفاهيم الحرية والتسامح، وجهتهم نحو مقاومة حركات التطرف الصاعدة أذرعها السياسية نحو السلطة، لتمارس خطاباً يستبعد المختلف عقائدياً وفكرياً مع هويتها ومشروعاتها، والمغاير ثقافياً لسلوكها المفرط فى التركيز على شهوة المال والنساء والحكم، والمضاد اجتماعياً لسياساتها الجائرة على حقوق الطبقات الدنيا.

ولأن الشارع كان الأسبق كعادته فى فهم ضرورات مرحلة التحول الديمقراطى نحو دولة الحرية والعدالة والكرامة، حضرت المبادرات الشعبية لتصبح أكثر تأثيراً فى العمل العام من النخب السياسية، وبينها مبادرة "أخويا المسلم.. بحبك"، والتى يقودها شباب مصرى واع وسط مناخ يسوده الاحتقان والتكفير والاستبعاد وعدم قبول الآخر، أسس له نظام ينتقل من تقسيم المجتمع بين مسلم ومسيحى إلى يسارى وإسلامجى ثم إلى إخوانجى وسلفجى وجهادجى فى مواجهة اليسار بشتى توجهاته "المكفرة"، حتى إذا ما خلت ساحة النزاع على "سبوبة" السلطة بين تيارات تشرب من قدح واحد، استدعى أكثرها سيطرة النعرة المذهبية بتوفير غطاء زائف لحضور الشيعة فى مصر، عبر دولة احتلال تاريخى للجزر الإمارتية العربية، مع مغازلة الصهاينة بخطابات رومانسية تتبعها دعوة عودة اليهود إلى مصر.

المشروع الإخوانجى بشقيه الفكرى والسياسى يقف طرفاً أساسياً مجدداً فى معركة هوية خاضها المصريون قبل 16 قرناً حينما مارس حكامهم الاضطهاد والاستبعاد ضدهم، فلجأوا إلى ابتكار "فلسفة" مصرية خالصة غزت المنطقة كلها وأفريقيا وعاشت بين شعوبها لتحفظ لها أصالتها وتراثها وتاريخها وخصوصيتها.

وأبرز مقومات حركة تمصير فكر المجتمع فى العصر الإخوانجى، هو السعى إلى تغيير وجهة الفقراء والمستضعفين والمضللين بخطاب سياسى- دينى فج، نحو إدراك طبيعة وسمات الهدف الأبعد للتنظيم الدولى للإخوان ومن على شاكلتهم من تيارات، وربط مصالح وحقوق هذه الفئات بمشروع وطنى ثورى جامع، يستخدم كافة أدوات المواجهة من مقاطعة للجماعة وعزلها مجتمعياً، وتعزيز فكرة النضال السلمى الإيجابى فى عالم تتغير أقطابه الداعية للحقوق والحريات عالمياً، نحو حصارها ووأدها فى منطقتنا.

الرهبانية المصرية كانت باختصار "أقوى تجارب العصيان المدنى" فى التاريخ، ربما نقف فى أشد الحاجة إلى استدعاء فلسفتها الآن.
الجريدة الرسمية