القاهرة ممنوعة من الكلام بأمر أديس أبابا لمدة ثمانية أشهر.. إثيوبيا تستعد لإنهاء الإنشاءات يوليو 2017... ومصادر تؤكد: المفاوضات لم تعد لها جدوى وما حدث هو «تلجيم» لمصر
عندما وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي اتفاقية المبادئ الخاصة بسد النهضة الإثيوبى في 24 مارس 2015، كان واضحا أن الرئيس يسعى إلى الحفاظ على ما تبقى من مكاسب القاهرة بعد أن استطاعت أديس أبابا فرض أمر واقع على الجميع بإعلانها الانتهاء من بناء 40% من منشآت السد في ذلك الوقت، ورغم ما قيل عن الاتفاقية وبنودها إلا أنها في النهاية استطاعت أن تجبر الجانب الإثيوبى على الالتزام بنتائج المكاتب الاستشارية وعدم بدء تشغيل خزان السد إلا بعد الحصول على موافقة دولتى المصب «مصر والسودان».
«ما كان يصلح بالأمس لم يعد صالحًا الآن».. عنصر الوقت الأمر الحاسم في المفاوضات، خيط التقطه رئيس الوزراء الأثيوبى «ديسالين» ليقرر ماذا يمكن أن يفعل للخروج من هذا المأزق الذي وقع فيه بالتوقيع على تلك الاتفاقية.
كان المفترض أن تبدأ الدراسات الفنية في مارس الماضى -وفق تصريحات الدكتور حسام مغازى وزير الرى السابق- ووفق الجدول الزمنى التي وضعته المكاتب الاستشارية فإن الدراسات كانت ستنتهى في أكتوبر من العام الجارى كحد أدنى، أما الحد الأقصى ففى يناير المقبل.
وكانت الخريطة الزمنية تلك تتناسب جزئيًا مع تصميمات سد النهضة التي تشير إلى أن افتتاح المرحلة الأولى في يوليو 2016، وهى المرحلة التي سيبدأ فيها بدء تشغيل الخزان، وحسب مصدر داخل اللجنة الفنية فإن التعديلات الفنية قد تكون مطروحة في تلك المرحلة أو على الأقل يتم دراسة الملاحظات لتلافيها خلال المرحلة الثانية من السد، والتي تنتهى وفقًا للتصريحات الإثيوبية يوليو 2017.
لم يتم توقيع العقود الفنية في فبراير ولم تبدأ الدراسات الفنية في مارس كما صرح وزير الرى السابق، ويبدو أن أديس أبابا التي أجادت لعبة المماطلة مع عدم وجود أي نص يلزمها بوقف إنشاءات السد، لجأت مرة أخرى إلى سياسة التسويف والتأجيل لأكثر من سبعة أشهر دون إبداء أسباب للتأجيل في بعض الأوقات، ولمناقشة بنود العقود القانونية التي درستها مصر والسودان في شهر، ودرستها أديس أبابا في خمسة أشهر.
خلال تلك الأشهر المهدرة من عمر المفاوضات، أنهت إثيوبيا المرحلة الأولى من بناء السد، واستعدت لبدء تخزين المياه وهو أمر كشقته صور الأقمار الصناعية، ليس هذا فحسب لكنها بدأت العمل في المرحلة الثانية، وهو ما يعنى أن سد النهضة أصبح ماضيا يجب تخطيه، وأكد وزير الإعلام الإثيوبى «غوتشا رضا» أن تضرر دول المصب أمر لا يعنيهم.
الضجة الإعلامية وإحراج القاهرة من خلال المفاوضات، دفع أديس أبابا لبدء خطوتها الثانية بكسر موسم التأجيل باستخدام ما اعتبره البعض حيلة أخرى، وهى الموافقة على التوقيع على العقود الفنية للسد.
وسبق اجتماع الخرطوم الذي عُقد على مدى يومي 19-20 سبتمبر الجارى تصريحات متضاربة، ففى الوقت الذي أعلنت فيه السودان رسميًا أن توقيع العقود الفنية سيكون يوم 20 سبتمبر، على الجانب الآخر خرجت وزارة الرى لتنفى تحديد أي موعد...!
مصدر داخل اللجنة الفنية أكد أن وزارة الرى كانت تعرف موعد توقيع العقود الفنية لكنها خشيت أن تعلن ذلك حتى لا يتكرر سيناريو 6 سبتمبر، حين أعلنت أن موعد التوقيع سيكون في ذلك اليوم لتفاجأ بأن إثيوبيا أعلنت تأجيل الموعد قبلها بـ24 ساعة، وهو ما اعتبره الخبراء بمثابة صفعة للقاهرة.
اكتملت خطة أديس أبابا بالتوقيع على العقود الفنية فيما بدا انتصارًا لمصر، وهو ما ظهر على لسان الدكتور محمد عبد العاطى وزير الري، الذي أعلن عقب توقيع الاتفاقية أن ما حدث دلالة واضحة على نية الدول الثلاث للتقدم والتطور، وأن أي حديث على تعمد الضرر غير صحيح.
مصدر مطلع على المفاوضات الفنية يرى أن ما حدث هو «تلجيم» فعلًا، فعمليًا لا تستطيع القاهرة أن تتكلم لمدة ٨ أشهر على الأقل لحين إتمام الدراسات الفنية إذ إن ما فعلته إثيوبيا يبدو التزاما بكافة المواثيق التي وافقت عليها مصر في الأساس، ولم نستطع سوى انتظار أشهر إعداد الدراسات، هذا ما يبدو على السطح، أما الوجه الآخر للقصة فإن في الوقت الذي ستنتهى فيه الدراسات ستكون إثيوبيا نفسها أنهت بناء المرحلة الثانية من السد أو على الأقل انتهاء 90%، وبالتالى أي تعديل هو ضرب من الخيال.
بتلك النظرة -كما يقول المصدر- تصبح إثيوبيا أمام المجتمع الدولى دولة لا تريد إلا تنميتها وأن القاهرة في حال الحديث هي التي لا تلتزم بأى مواثيق دولية، وهو ما حذر منه الكثيرون حين طرحت أديس أبابا فكرة المكاتب الاستشارية في عام 2014، إذ إن إعداد دراسات مع استمرار العمل أمر لم يحدث في أي مفاوضات، والنتيجة هي ما وصلنا إليه الآن وما حققته أديس أبابا.
"نقلا عن العدد الورقي.."